الوسط الصحيح الملائم لتحقيق الغاية الكيمياوية المرتجاة (1).
والمنهج الذي اتبعه الطغرائي في تأليف رسالته هو أن يذكر طائفة من أقوال العلماء والحكماء القدماء ممن اشتغلوا بالصنعة، أو ألفوا الكتب والرسائل في مواضيعها. وهذه الأقوال وجيزة غالبا. وهو يتلوها بشروح لها أو تعاليق عليها تكاد تحكيها قصرا.
يبدأ الطغرائي رسالته باقتباس قول كيمياوي لهرقل هو: إن في التبييض أحد عشر سرا ثم يعقبه بقول آخر شبيه به لجابر بن حيان هو: تحتاج الأرض من الماء إلى عشرة أضعافه ويشرحه ثم يمضي في اقتباساته لأقوال كيمياوية أخرى عديدة وفي شرحها والتعليق عليها. ومن الموضوعات والاصطلاحات الكيمياوية التي تتردد في هذه الأقوال: العمل والتدبير والخلط والتبييض والتحمير والتعفين. ومن الرموز: أرض مصر وأرض فارس والسماء والأرض والسبعة المتحيرة والماء الورقي والماء الخالد وإكليل الغلبة والحجر.
أما العلماء والحكماء الذين يقتبس أقوالهم في هذه الرسالة فهم هرقل وآرس وأغاثوذيمون وبليناس وزوسيموس وجاماسف ومارية وجابر بن حيان وخالد بن يزيد. وما يقتبسه من أقوال بليناس ثم آرس أكثر مما يقتبسه من أقوال الآخرين. وفي الرسالة أقوال حكماء غير هؤلاء لا يسميهم (2).
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الرسالة وإن كان هدفها الشرح والبيان لا تخلو من الغموض، وإنها كسواها من المؤلفات الكيمياوية القديمة تتحدث عن موضوعات علم صعب أعزه أهله وكتموه من غيرهم فاستخدموا في مؤلفاتهم الرموز وتعمدوا التعمية والابهام. ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن اعتمادي في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية وحيدة لم ييسر لي في تقويم نصها وتصويب بعض جملها ما كان ممكنا أن ييسره تعدد النسخ الخطية.
منهج تحقيق الرسالة:
1 صححت في متن الرسالة أخطاء التصحيف والتحريف وأشرت في الحواشي إلى الأخطاء.
2 شرحت بعض الألفاظ والرموز الكيمياوية.
3 أرفقت الرسالة بملحقين تضمن أولهما تعريفا بالحكماء والعلماء الذين ورد ذكرهم في الرسالة. وتضمن ثانيهما فهرسا لما جاء فيها من ألفاظ ورموز كيمياوية.
4 استعملت الرموز الآتية:
م: للمجموع الخطي 731 طبيعيات ق 185 أ 187 أ بدار الكتب المصرية.
لندن: للمجموع الخطي 8229 شرقية بمكتبة المتحف البريطاني بلندن.
ق: لكلمة ورقة.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله رسالة ذات الفوائد (3) من كلام الأستاذ مؤيد الدين أبي إسماعيل رحمة الله عليه قال: من الأسرار الكبار قول هرقل (4): إن في التبييض (5) أحد عشر سرا. وهو مثل قول جابر تحتاج الأرض من الماء إلى عشرة أضعافه.
وإنما يريد جابر بالماء الماء الورقي (6)، ويريد بالأرض الثفل الباقي منه. وقال آرس: ومن أجل هذا الماء قال الحكيم: ماؤك (7) من طبقة سماوية صانعة للطبائع.
والعشرة الأشياء التي ذكروها في الكتب أشاروا بها إلى كون الماء الورقي عند تمامه عشرة أضعاف الجسد. وسموا كل واحد من العشرة باسم على حدة.
وقال جابر في بعض كتبه: إن الكلس يدبر إلى أن ينقى عسره، (8) ويحترق ما سواه. أقول: إذا انتهى إلى هذا الحد اختلط النحاس المعفن (9) بالصفحة التي لم تعفن. وتمسك الأصباغ بعضها بعضا خلايا من النحاس المعفن. الذي لم يعفن هو الماء الورقي، والصفيحة التي لم تعفن هي الجسد الباقي وهو إكليل الغلبة لأنه به يتم التدبير ويصير الأجساد (10) بكليتها أرواحا (11) لم تبق فيها أرضية تخالفها هاهنا تقوى على قنال النار.
وما ذكروه من الأربعة الأجساد، والستة الأجساد، والسبعة الأجساد، إنما هو كمية ما يروح من الجسد بالقياس إلى العشرة الأجزاء التي هي تمام، والعمل الأجزاء (12).
اعلم أن الماء المفرد عند التدبير يستخرج أرواح الأجساد فيجنها في جوفه. وإنما يستجن اليسير منه في أول الأمر ثم لا يزال يتزايد إلى أن يصير الروح والثفل سواء، ثم يتزايد الروح فتختلف نسبة أحدهما إلى الآخر من أول التدبير إلى آخره، أما ما (13) رمزوه من الأعداد في سائر المواضع فعلى هذا القياس، ولهم فيها مجال واسع.
وقال آرس في الأوزان: هذه الأشياء إنما تركيبها من كثير وقليل ثم يصيران بالسواء. أقول ثم بعد ذلك يستمد (14) أحدهما من الآخر حتى