فأول من نبغ منهم واشتهر صيته هو أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه المتوفى سنة 329، وآخرهم ممن برز ونبغ واشتهر منهم هو منتجب الدين. ولم نعرف بعده أحدا ظهر واشتهر من هذه الأسرة.
ولكن في خلال هذه الفترة فيهم كثرة مرموقة من أعلام نابهين وفقهاء ومحدثين قل نظيرها في سائر الأسر العلمية، فبهم يضرب المثل في كثرة الأعلام، فترى الشهيد الثاني مثل بهم في كتاب الرعاية في شرح الدراية ص 125 للرواية عن خمسة آباء برواية الشيخ الجليل بابويه بن سعد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه سعد عن أبيه محمد عن أبيه الحسن عن أبيه الحسين.
وحكى ابن حجر في ترجمته من لسان الميزان قال، عن ابن أبي طي أنه قال عن أسرته: كان بيته بيت العلم والجلالة، ومثل أيضا للرواية عن ستة آباء برواية الشيخ منتجب الدين عن ستة من آبائه يروي كل منهم عن أبيه نسقا إلى ستة آباء، ثم قال:
وهذا الشيخ منتجب الدين كثير الرواية واسع الطرق عن آبائه وأقاربه وأسلافه، ويروي عن ابن عمه الشيخ بابويه المتقدم بغير واسطة، وأنا لي الرواية عن الشيخ منتجب الدين بعدة طرق مذكورة فيما صنعته من الطرق والإجازات.
وقال ميرزا عبد الله أفندي في رياض العلماء 4 140 في ترجمة الحسين بن علي بن بابويه، الجد الأعلى لمنتجب الدين: وهو وأخوه وابن هذا الشيخ وسبطه وأحفاده نازلا إلى زمن الشيخ منتجب الدين كلهم كانوا من أكابر العلماء.
وقال السيد محمد صادق بحر العلوم النجفي في دليل القضاء الشرعي 3 157: يظهر من فهارس الشيوخ ومعاجم التراجم فضل آل بابويه بين أعلام الطائفة ومشائخ الأصحاب، حيث كانوا من سدنة العلم، وحملة الحديث، وأعيان فقهاء الامامية، وقد خدموا كثيرا وساهموا في حفظ آثار أهل البيت ع بمؤلفاتهم ومروياتهم.
ولكثرة رجالات الأسرة بني بابويه وتوفر العلماء فيها ألف الشيخ سليمان البحراني رسالة مفردة في تراجم أعلام آل بابويه نقل عنه الشيخ أبو علي الحائري في منتهى المقال في ترجمة منتجب الدين.
والأسرة أصلها من قم ثم نزح كثير منهم إلى الري واستوطنوها ولا ندري متى كان ذلك ولا الأول منهم، فترى أن الشيخ منتجب الدين ينسبونه رازيا ولا ينسبونه قميا، وقد وصف هو في الفهرست: جده شمس الاسلام حسكا فقال: القمي نزيل الري. ويبدو أن انتقالهم إلى الري كان أسبق من هذا، وربما كان منذ عهد الشيخ أبي جعفر الصدوق المتوفى سنة 381 وهو عم جد جد منتجب الدين، فلعله هو أول من انتقل منهم إلى الري. لصلاته الوثيقة بحاكمها ركن الدولة البويهي، وهو قد توفي بالري وقبره بها يزار.
نشأته:
نشأ في أسرة علمية دينية وفي أحضان أبيه موفق الدين وسائر أعلام أسرته، ففتح عينه على طلب العلم واستماع الحديث وإملائه، فولع بذلك منذ نعومة أظفاره وأولاه والده رعاية خاصة وعناية بالغة، فلا غرو أن ينشأ حريصا على الطلب جادا فيه دائبا عليه.
طلب الحديث منذ سن مبكرة في بلدة الري على مشائخها والطارئين عليها، فقد كانت الري في طريق قاصدي خراسان، كما كانت في طريق حاج خراسان، فإنهم كانوا يذهبون إلى الحج من العراق على طريق الكوفة، فأدرك المنتجب مشائخ كثيرين وسمع الحديث الكثير، وكان حريصا على ذلك أشد الحرص. قال عنه تلميذه الرافعي في التدوين:
ولم يزل كان يترقب بالري ويسمع ممن دب ودرج ودخل وخرج وجمع الجموع... وقال قبل ذلك كما يأتي نصه: يكتب ما يجد ويسمع ممن يجد، ويقل من يدانيه في هذه الأعصار في كثرة الجمع والسماع والشيوخ الذين سمع منهم وأجازوا له...
الثناء عليه:
تجد الاطراء له والثناء البالغ عليه في كتب الطبقات ومعاجم الرجال، وفي غضون الإجازات منذ عصره حتى الآن من أعلام الخاصة والعامة يذكرونه بكل تبجيل ويصفونه بالحفظ والإمامة والوثاقة. وإليك نماذج من كلمات الفريقين فمن الفريق الأول:
1 تلميذه برهان الدين محمد بن محمد بن علي الحمداني وهو أول من نسخ كتاب الفهرست ورواه عن مؤلفه، فكتب في وصف أستاذه المؤلف:
الشيخ الامام الحافظ السعيد موفق الاسلام سيد الحفاظ رئيس النقلة سيد الأئمة والمشايخ خادم حديث رسول الله ص.
2 الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي المستشهد سنة 966، قال في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي:
وأجزت له أدام الله تعالى معاليه أن يروي عني جميع ما رواه الشيخ الامام الحافظ منتجب الدين... وكان هذا الرجل حسن الضبط كثير الرواية عن مشائخ عديدة...
3 وقال المجلسي:
والشيخ منتجب الدين من مشاهير الثقات والمحدثين، وفهرسته في غاية الشهرة... فحكى كلام الشهيد الثاني.
4 ميرزا عبد الله أفندي الأصفهاني، قال في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء في ترجمة منتجب الدين 4 140: كان قدس الله روحه بحرا من العلوم لا ينزف، وهو الشيخ السعيد الفاضل العالم الفقيه المحدث الكامل شيخ الأصحاب.
5 وقال الشيخ سليمان البحراني في رسالته التي أفردها لتراجم آل بابويه في ترجمة منتجب الدين: قدس الله روحه من مشاهير الثقات وفحول المحدثين.
6 وقال الحر العاملي في أمل الأمل 2 194 في ترجمة الشيخ منتجب الدين: كان فاضلا عالما ثقة صدوقا محدثا حافظا راوية علامة... الشيخ الامام الحافظ...