يوم الأحد وانتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي وكان من غزاة البحر في الشذا وله علم بركوبها والحرب فيها فجمع المطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه حزبي البلالية والسعدية ومن أحب النظر من غير هذه الأصناف من الهاشميين والقريشيين وسائر أصناف الناس فشحن ثلاثة مراكب من الشذا من الرماة وجعلوا يزدحمون في الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد ومضى جمهور الناس رجالة منهم من معه السلاح ومنهم نظارة لا سلاح معهم فدخلت الشذا والسفن النهر المعروف بأم حبيب بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد ومرت الرجالة والنظارة على شاطئ النهر قد سدوا ما ينفذ فيه البصر تكاثفا وكثرة وكان صاحب الزنج مقيما بموضعه من النهر المعروف بشيطان * قال محمد بن الحسن فأخبرنا صاحب الزنج انه لما أحس بمصير الجمع إليه وأتته طلائعه بذلك وجه زريقا وأبا الليث الأصبهاني في جماعة معهما في الجانب الشرقي من النهر كمينا وشبلا وحسينا الحمامي في جماعة من أصحابه في الجانب الغربي بمثل ذلك وأمر علي بن أبان ومن بقى معه من جمعه بتلقي القوم وأن يجثو لهم فيمن معه ويستتروا بتراسهم فلا يثور إليهم منهم ثائر حتى يوافيهم القوم ويوموا إليهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم وتقدم إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع وأحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبتي النهر ويصيحا بالناس وأمر نساء الزنج بجمع الآجر وإمداد الرجال به * قال وكان يقول لأصحابه بعد ذلك لما أقبل إلى الجمع يومئذ وعاينته رأيت أمرا هائلا راعني وملا صدري رهبة وجزعا وفزعت إلى الدعاء وليس معي من أصحابي إلا نفر يسير منهم مصلح وليس منا أحد إلا وقد خيل له مصرعه في ذلك فجعل مصلح يعجبني من كثرة ذلك الجمع وجعلت أومى إليه أن يمسك فلما قرب القوم منى قلت اللهم إن هذه ساعة العسرة فأعنى فرأيت طيورا بيضا تلقت ذلك الجمع فلم أستتم كلامي حتى بصرت بسميرية قد انقلبت بمن فيها فغرقوا ثم تلتها الشذا وثار أصحابي إلى القوم الذين قصدوا لهم فصاحوا بهم وخرج الكمينان عن جنبتي النهر
(٥٦٥)