فانقطع بذلك ما كان يؤخذ للسلطان بحق الخمس من الذهب والفضة والجوهر الذي يستخرج من المعادن فاشتد انكار المتوكل لذلك وأحفظه وشاور في أمر البجة فأنهى إليه بأنهم قوم أهل بدو وأصحاب ابل وماشية وان الوصول إلى بلادهم صعب لا يمكن أن يسلك إليهم الجيوش لأنها مفاوز وصحارى وبين أرض الاسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة لا ماء فيها ولازرع ولا معقل ولا حصن وأن من يدخلها من أولياء السلطان يحتاج أن يتزود لجميع المدة التي يتوهم أن يقيمها في بلادهم إلى أن يخرج إلى أرض الاسلام فان امتد به المقام حتى يتجاوز تلك المدة هلك وجميع من معه وأخذتهم البجة بالأيدي دون المحاربة وأن أرضهم أرض لا ترد على السلطان شيئا من خراج ولاغيره فامسك المتوكل عن التوجيه إليهم وجعل أمرهم يتزيد وجرأتهم على المسلمين تشتد حتى خاف أهل الصعيد من أرض مصر على أنفسهم وذراريهم منهم فولى المتوكل محمد بن عبد الله المعروف بالقمي محاربتهم وولاه معاون تلك الكور وهى قفط والأقصر وإسنا وأرمنت وأسوان وتقدم إليه في محاربة البجة وأن يكاتب عنبسة بن إسحاق الضبي العامل على حرب مصر وكتب إلى عنبسة باعطائه جميع ما يحتاج إليه من الجند والشاكرية المقيمين بمصر فازاح عنبسة علته في ذلك وخرج إلى أرض البجة وانضم إليه جميع من كان يعمل في المعادن وقوم كثير من المطوعة فكانت عدة من معه نحوا من عشرين ألف انسان بين فارس وراجل ووجه القلزم فحمل في البحر سبعة مراكب موقرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير وأمر قوما من أصحابه أن يلججوا بها في البحر حتى يوافوه في ساحل البحر من أرض البجة فلم يزل محمد بن عبد الله القمي يسير في أرض البجة حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب وصار إلى حصونهم وقلاعهم وخرج إليه ملكهم واسمه على بابا واسم ابنه لعيسى في جيش كثير وعدد أضعاف من كان مع القمي من الناس وكانت البجة على ابلهم ومعهم الحراب وابلهم فره تشبه بالمهارى في النجابة فجعلوا يلتقون أياما؟ الية فيتناوشون ولا يصححون المحاربة وجعل ملك البجة يتطارد للقمي لكي تطول الأيام طمعا
(٣٧٨)