ذكر الخبر عن صفة بنائه إياها قد ذكرنا قبل السبب الباعث لأبي جعفر على بنائها والسبب الذي من أجله اختار البقعة التي بنى فيها مدينته ونذكر الآن صفة بنائه إياها: ذكر عن رشيد أبى داود بن رشيد أن أبا جعفر شخص إلى الكوفة حين بلغه خروج محمد بن عبد الله وقد هيأ لبناء مدينة بغداد ما يحتاج إليه من خشب وساج وغير ذلك واستخلف حين شخص على إصلاح ما أعد لذلك مولى له يقال له أسلم فبلغ أسلم أن إبراهيم بن عبد الله قد هزم عسكر أبى جعفر فأحرق ما كان خلفه عليه أبو جعفر وساج وخشب خوفا أن يؤخذ منه ذلك إذا غلب مولاه فلما بلغ أبا جعفر ما فعل من ذلك مولاه أسلم كتب إليه يلومه على ذلك فكتب إليه أسلم يخبر أنه خاف أن يظفر بهم إبراهيم فيأخذه فلم يقل له شيئا وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال لما أراد المنصور بناء مدينة بغداد شاور أصحابه فيها وكان ممن شاوره فيها خالد بن برمك فأشار بها فذكر عن علي بن عصمة أن خالد بن برمك خط مدينة أبى جعفر له وأشار بها عليه فلما احتاج إلى الانقاض قال له ما ترى في نقض بناء مدينة إيوان كسرى بالمدائن وحمل نقضه إلى مدينتي هذه قال لا أرى ذلك يا أمير المؤمنين قال ولم قال لأنه علم من أعلام الاسلام يستدل به الناظر إليه على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا وانما هو على أمر دين ومع هذا يا أمير المؤمنين فان فيه مصلى على ابن أبي طالب صلوات الله عليه قال هيهات يا خالد أبيت إلا الميل إلى أصحابك العجم وأمر أن ينقض القصر الأبيض فنقضت ناحية منه وحمل نقضه فنظر في مقدار ما يلزمهم للنقض والحمل فوجدوا ذلك أكثر من ثمن الجديد لو عمل فرفع ذلك إلى المنصور فدعا بخالد بن برمك فأعلمه ما يلزمهم في نقضه وحمله وقال له ما ترى قال يا أمير المؤمنين قذ كنت أرى قبل أن لا تفعل فاما إذا فعلت فانى أرى أن تهدم الآن حتى تلحق بقواعده لئلا يقال إنك قد عجزت عن هدمه فأعرض المنصور عن ذلك وأمر أن لا يهدم فقال موسى بن داود المهندس قال لي المأمون وحدثني بهذا الحديث يا موسى إذا بنيت لي بناء فاجعله ما يعجز عن هدمه ليبقى
(٢٦٤)