وإن شئت قلت: الإرادة التي توجد في النفس لإفادة الوجوب، لا حد لها، بخلاف الإرادة التي توجد فيها لإفادة الندب.
وبعبارة ثالثة: إن كل طالب إنما يأمر لأجل التوسل إلى إيجاد المأمور به، فلا بد وأن لا يكون طلبه قاصرا عن ذلك، وإلا فعليه البيان، والطلب الإلزامي غير قاصر عنه، دون الاستحبابي، فلا بد أن يحمل عليه الطلب " (1) انتهى.
أقول: هذا هو الوجه الذي اعتمد عليه صاحب " المقالات " ولعمري، إنه أسخف الوجوه، وكأنه نسب إليه ما لا يرضى به، لأنه كيف يمكن أن يكون نقاط الضعف فيه، مخفية على مثله (قدس سره)؟!
فبالجملة: كل مفهوم إذا كان مقابل مفهوم آخر، إما يكون تقابلهما بتمام ذاتهما البسيطة، أو المركبة، أو ببعض الذات:
فإذا كان ببعض الذات، فلا بد من الاشتراك في البعض الآخر.
وإن كان الوجوب والندب من قبيل الأول، أو من قبيل الثاني، فلا يمكن كفاية الصيغة المطلقة لاستفادة أحدهما المعين بالضرورة، لاحتياج كل إلى القيد والقرينة.
وإن كان ما به الاختلاف عين ما به الامتياز، وتكون النسبة بينهما نسبة الأقل والأكثر، فهو لا يتصور في العناوين مطلقا، والوجوب والندب منها بالضرورة.
ولو سلمنا أن المقصود إثبات الأمر الآخر، وهو الوجوب، وعدم الوجوب، أي يكون النظر إلى حقيقة خارجية تكون هي منشأ انتزاعهما، وليس الوجوب من الأمور الاعتبارية، بل هو من الانتزاعيات، فإنه عند ذلك يأتي ما مر منا (2): من أن التشكيك الخاصي بين الإرادات، لا يستلزم كون الإرادة في أول وجودها، منشأ لانتزاع مفهوم الوجوب، بل الأمر بالعكس، لأن الوجوب ينتزع من المرتبة الشديدة،