فصل (1): في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها وما يرجح به الأخبار بعضها على بعض، وحكم المراسيل. القرائن التي تدل على صحة متضمن الأخبار التي لا توجب العلم أشياء أربعة:
منها: أن تكون موافقة لأدلة العقل وما اقتضاه، لأن الأشياء في العقل إذا كانت إما على الحظر أو الإباحة على مذهب قوم أو الوقف على ما نذهب إليه، فمتى ورد الخبر متضمنا للحظر أو الإباحة فلا يكون هناك ما يدل على العمل بخلافه وجب أن يكون ذلك دليلا على صحة متضمنه عند من اختار ذلك. وأما على مذهبنا الذي نختاره في الوقف، فمتى ورد الخبر موافقا لذلك وتضمن وجوب التوقف كان ذلك دليلا أيضا على صحة متضمنه إلا أن يدل دليل على العمل بأحدهما فيترك الخبر (2) والأصل. ومتى كان الخبر متناولا للحظر ولم يكن هناك دليل يدل على الإباحة فينبغي أيضا المصير إليه ولا يجوز العمل بخلافه إلا أن يدل دليل يوجب العمل بخلافه، لأن هذا حكم مستفاد بالعقل، ولا ينبغي أن نقطع على حظر ما تضمنه ذلك الخبر، لأ نه خبر واحد لا يوجب العلم فنقطع به ولا هو موجب العمل فنعمل به. وإن كان الخبر متضمنا للإباحة ولا يكون هناك خبر آخر أو دليل شرعي على خلافه وجب الانتقال إليه والعمل به وترك ما اقتضاه الأصل، لأن هذا فائدة العمل بأخبار الآحاد، ولا ينبغي أن نقطع على متضمنه لما قدمناه من وروده موردا لا يوجب العلم.
ومنها: أن يكون الخبر مطابقا لنص الكتاب إما خصوصه أو عمومه أو دليله أو فحواه، فإن جميع ذلك دليل على صحة متضمنه، إلا أن يدل دليل يوجب العلم يقترن بذلك الخبر يدل على جواز تخصيص العموم به أو ترك دليل الخطاب، فيجب حينئذ المصير إليه. وإنما قلنا ذلك لما نبينه فيما بعد من المنع من جواز تخصيص العموم بأخبار الآحاد، إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن يكون الخبر موافقا للسنة المقطوع بها من جهة التواتر، فإن ما يتضمنه الخبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته أيضا وجاز العمل به وإن لم يكن