وأقول: فيه بحث، لأن العادة قاضية بأنه لو صدر مثل هذا النص لظهر واشتهر وصار من ضروريات الدين، لتوفر الدواعي على أخذه وضبطه ونشره، وعدم وقوع فتنة توجب إخفاءه، وقد اعترفوا بانتفاء التالي وسيجئ زيادة تحقيق لهذا المقام في كلامنا إن شاء الله تعالى.
وأقول: تحقيق المقام أن حاصل المقدمة الثانية عند المصوبة من الأصوليين أن كل ما تعلق به ظن المجتهد فهو حكم الله الواقعي في حقه وحق مقلديه، وحاصلها عند المخطئة منهم: أن كل ما تعلق به ظن المجتهد فهو حكم الله الظاهري في حقه وحق مقلديه، وقد يكون حكم الله الواقعي وقد لا يكون.
وذكر العلامة الحلي في كتاب تهذيب الأصول: الاجتهاد اصطلاحا: استفراغ الوسع من الفقيه لتحصيل ظن بحكم شرعي، والأقرب قبوله للتجزئة، لأن المقتضي لوجوب العمل مع الاجتهاد في كل الأحكام موجود مع الاجتهاد في بعضها، وتجويز تعلق المعلوم بالمجهول يدفعه الفرض (2) انتهى كلامه (رحمه الله).
وذكر الفاضل المدقق الشيخ حسن ابن العالم الرباني الشهيد الثاني - رحمهما الله تعالى - في كتاب المعالم في مبحث اجتهاد التجزي (3): والتحقيق عندي في هذا المقام: أن فرض الاقتدار على استنباط بعض المسائل دون بعض على وجه يساوي استنباط المجتهد المطلق لها غير ممتنع ولكن التمسك في جواز الاعتماد على هذا الاستنباط بالمساواة فيه للمجتهد المطلق قياس لا نقول به.
نعم لو علم أن العلة في العمل بظن المجتهد المطلق هو قدرته على استنباط المسألة أمكن الإلحاق من باب منصوص العلة ولكن الشأن في العلم بالعلة، لفقد النص عليها *، ومن الجائز أن تكون هي قدرته على استنباط المسائل كلها، بل هذا
____________________
* عمل المتجزي بظنه ليس من باب القياس على عمل المجتهد المطلق، بل لكون