الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الإسترآبادي ، السيد نور الدين العاملي - الصفحة ٢٥١
فائدة الإمام ثقة الإسلام (قدس سره) في كتاب الكافي ذكر بابا يشتمل على أنهم (عليهم السلام) أمرونا بالتمسك بالأحاديث المسطورة عنهم في الكتب في زمن الغيبة الكبرى (1) ثم ذكر بابين: في أحدهما أبطل التقليد (2) وفي الباب الآخر أبطل الرأي (3) أي الاجتهاد.
والعلامة الحلي ومن وافقه غفلوا عن الأبواب الثلاثة وعن أشباهها *.
____________________
فعلم أن في حكمة الله تعالى بطريق الابتلاء خفاء كثير من أحكام التكليف في الأصول والفروع، ولم يكن خفاؤها موجبا لعدم إمكان الاطلاع عليها، بل بالتوجه إلى الحق - التوجه الصادق الخالي عن الدنس - تحصل الهداية إليها مصداقا لقوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وبسبب عدم تيسر العلم بصحة الأخبار وتواترها في كل زمان ظهر مزية القرآن على غيره من المعجزات التي لا سبيل للاشتباه فيه، بخلاف غيره مما بعد العهد به. ولما كان حصول العلم والقطع في كل الأحكام متعذرا بالوجدان - خصوصا في هذا الزمان - ألجأت الحاجة والضرورة إلى الرجوع إلى الاجتهاد، لرجحان الظن الحاصل فيه على غيره، لإذن الأئمة (عليهم السلام) في الرجوع عند عدم العلم إلى ما هو أدون من ظن المجتهد، فإليه يكون الرجوع بالطريق الأولى.
* قد نبهنا على أن كلام الأئمة (عليهم السلام) في مثل هذه المواضع إنما يعنون بالتقليد والرأي أحوال العامة وعملهم في زمانهم بذلك والإعراض عن تقليدهم (عليهم السلام) والعمل بأحاديثهم. والمصنف لأجل إثبات دعواه يفسر من عنده الرأي المنهي عن اتباعه في كلام الأئمة (عليهم السلام) بمطلق الاجتهاد الشامل لاجتهاد الشيعة، وهذا عين الخطأ، فإنهم (عليهم السلام) في الغالب في كلامهم لا ينفك ذكر الرأي عن القياس والاستحسان معه، وذلك مخصوص بالمخالفين. ونسبة المصنف الغفلة عما ذكره للعلامة ومن بعده ممن وافقه دون من تقدمه لم يعلم وجهه فإنا لم نعلم أحدا من الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين قائلا ببطلان الاجتهاد والتقليد غيره، فكأن العلامة ومن وافقه ومن تقدمه لم يطلعوا على هذه الأبواب أو لم يفهموا معناها، حتى وفق الله في آخر الزمان بوجود المصنف ونبه عليها وعلى معناها على ما يريد.

(١) الكافي ١: ٥١ و 53 و 54.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست