بهذه الأخبار كان جائزا لما جاز ذلك، وكان يكون من عمل بخبر عنده أنه صحيح يكون مخالفه مخطئا مرتكبا للقبيح يستحق التفسيق بذلك، وفي تركهم ذلك والعدول عنه دليل على جواز العمل بما عملوا به من الأخبار. فإن تجاسر متجاسر إلى أن يقول: كل مسألة مما اختلفوا فيه عليه دليل قاطع ومن خالفه مخطئ فاسق يلزمه أن يفسق الطائفة بأجمعها ويضلل الشيوخ المتقدمين كلهم، فإنه لا يمكن أن يدعي على أحد موافقته في جميع أحكام الشرع، ومن بلغ إلى هذا الحد لا يحسن مكالمته ويجب التغافل عنه بالسكوت، وإن امتنع من تفسيقهم وتضليلهم فلا يمكنه إلا لأن العمل بما عملوا به كان حسنا جائزا خاصة، وعلى أصولنا أن كل خطأ وقبيح كبير، فلا يمكن أن يقال: إن خطأهم كان صغيرا فانحبط - على ما تذهب إليه المعتزلة - فلأجل ذلك لم يقطعوا الموالاة وتركوا التفسيق فيه والتضليل.
فإن قال قائل: أكثر ما في هذا الاعتبار أن يدل على أنهم غير مؤاخذين بالعمل بهذه الأخبار وأ نه قد عفي عنهم، وذلك لا يدل على صوابهم، لأ نه لا يمتنع أن يكون من خالف الدليل منهم أخطأ وأثم واستحق العقاب إلا أنه عفي له عن خطئه وأسقط عنه ما استحقه [من العقاب] (1).
قيل له: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن غرضنا بما اخترناه من المذهب هو هذا وأن من عمل بهذه الأخبار لا يكون فاسقا مستحقا للعقاب، فإذا سلم لنا ذلك ثبت لنا ما هو الغرض المقصود.
والثاني: أن ذلك لا يجوز، لأ نه لو كان قد عفي لهم عن العمل بذلك مع أنه قبيح يستحق به العقاب وأسقط عقابهم لكانوا مغرين بالقبيح، وذلك لا يجوز، لأ نهم إذا علموا أنهم إذا عملوا بهذه الأخبار لا يستحقون العقاب لم يصرفهم عن العمل بها صارف، فلو كان فيها ما هو قبيح العمل به لما جاز ذلك على حال.
فإن قيل: لو كانت هذه الطريقة دالة على جواز العمل بما اختلف من الأخبار المتعلقة بالشرع من حيث لم ينكر بعضهم على بعض ولم يفسق بعضهم بعضا ينبغي