تعلقهم بالأبدان مرة بثلاثة أشياء: الإقرار بالربوبية والنبوة والولاية، فأقر بعضهم بكلها دون بعض، ثم كلف جمعا منهم بعد تعلقهم بالأبدان مرة ثانية، فكل يعمل في عالم الأبدان على وفق ما عمل في عالم الأرواح.
وأما إنه تعالى هو المضل، فقد تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأن الله تعالى يخرج العبد من الشقاوة إلى السعادة ولا يخرجه من السعادة إلى الشقاوة، فلابد من الجمع بينهما. ووجه الجمع - كما يستفاد من الأحاديث وإليه ذهب ابن بابويه (١) - أن من جملة غضب الله تعالى على بعض العباد أنه إذا وقع منهم عصيان ينكت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب وأناب يزيل الله تعالى تلك النكتة، وإلا فتنتشر تلك النكتة حتى تستوعب قلبه كله، فحينئذ لا يلتفت قلبه إلى موعظة ودليل.
لا يقال: من المعلوم: أنه مكلف بعد ذلك، وإذا امتنع تأثر قلبه يكون تكليفه بالطاعة من قبيل التكليف بما لا يطاق.
لأنا نقول: إن انتشار النكتة لا ينتهي إلى حد تعذر التأثر.
ومما يؤيد هذا المقام ما اشتمل عليه كثير من الأدعية المأثورة من أهل البيت (عليهم السلام) من الاستعاذة بالله من ذنب لا يوفق صاحبه للتوبة بعده أبدا (٢).
ثم أقول: هنا دقيقة أخرى هي أنه [تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بانقسام غير السعيد إلى قسمين: المغضوب عليه والضالين (٣) وبانقسام الأمة إلى ثلاثة: المؤمن والناصبي والضال (٤) وفي كلامهم (عليهم السلام) تصريح بأن المحسن من الضال يدخله الجنة بفضل رحمته (٥)، فمعنى كونه مضلا: أنه يخلي بعض على ما هو عليه كما في أهل الفترة. ويمكن أن يقال] (٦): يستفاد من قوله تعالى: ﴿وهديناه النجدين﴾ (٧) أي نجد الخير ونجد الشر، ومن نظائره من الآيات والروايات [ومن قوله تعالى: ﴿إن الله يحول بين المرء وقلبه﴾ (8) ومن نظائره من الآيات والروايات: أن تصوير النجدين