[ما ذكره ثقة الإسلام الكليني في أول الكافي] وذكر الإمام ثقة الإسلام عمدة العلماء الأعلام زبدة الأخباريين المدققين المسددين المؤيدين من عند الله بأخذ أحكام الله عن خزان علمه وتراجمة وحيه، وبجمعها من أصول شتى مجمع عليها، صنفها أصحاب الأئمة بإشارتهم وأمرهم (عليهم السلام) محمد بن يعقوب الكليني - نور الله مرقده الشريف - في أول كتاب الكافي، وقد سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء:
أما بعد، فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأهله حتى كاد العلم معهم أن يأزر كله وتنقطع مواده، لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل ويضيعوا العلم وأهله.
وسألت: هل يسع الناس المقام على الجهالة والتدين بغير علم إذا كانوا داخلين في الدين مقرين بجميع أموره على جهة الاستحسان والنشوء عليه، والتقليد للآباء والأسلاف والكبراء، والاتكال على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلها.
فاعلم يا أخي رحمك الله! إن الله تبارك وتعالى خلق عباده خلقة منفصلة من البهائم في الفطن والعقول المركبة فيهم محتملة للأمر والنهي وجعلهم على ذكره صنفين: صنفا منهم أهل الصحة والسلامة، وصنفا منهم من أهل الضرر والزمانة، فخص أهل الصحة والسلامة بالأمر والنهي بعد ما أكمل لهم آلة التكليف، ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر، إذ قد خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم، وجعل عز وجل سبب بقائهم أهل الصحة والسلامة، وجعل بقاء أهل الصحة والسلامة بالأدب والتعليم.
فلو كانت الجهالة جائزة لأهل الصحة والسلامة لجاز وضع التكليف عنهم، وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرسل والآداب، وفي رفع الكتب والرسل والآداب فساد التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر. فوجب في عدل الله وحكمته أن يخص من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي بالأمر والنهي، لئلا يكونوا سدى