جمع] (1) ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا، ماضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضيا سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا، إن قاس شيئا بشيء لم يكذب نظره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج الحلال لامليء بإصدار ما عليه ورد ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق (2).
وأنا أقول: من المعلوم أن هذه العبارات الشريفة صريحة في أن ما عدا اليقين شبهة، وجه الصراحة: أنها ناطقة بحصر الأمور في اليقين والشبهة، فلو لم يكن الظن شبهة لزم بطلان الحصر (3) وفي أن كل طريق يؤدي إلى اختلاف الفتاوى من غير ضرورة التقية مردود غير مقبول عند الله تعالى.
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال الصادق (عليه السلام): الحكم حكمان: حكم الله عز وجل، وحكم أهل الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله عز وجل حكم بحكم الجاهلية، ومن حكم بدرهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فقد كفر بالله تعالى (4).
وفي كتاب الكافي - في باب طلب الرئاسة - عن أبي حمزة الثمالي قال، قال أبو عبد الله (عليه السلام): إياك والرئاسة! وإياك أن تطأ أعقاب الرجال! قال قلت: جعلت فداك!
أما الرئاسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال، فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال، فقال لي: ليس حيث تذهب، إياك أن تنصب رجلا دون