بين ما هو سم وما هو غذاء وإنما ننتظر في ذلك إعلام الله تعالى لنا ما هو غذاؤنا والفرق بينه وبين السموم القاتلة.
واعترض من خالف في هذا الاستدلال بأن قال: يمكننا أن نعلم ذلك بالتجربة، فإنا إذا شاهدنا الحيوان الذي ليس بمكلف يتناول بعض الأشياء فيصلح عليه جسمه علمنا أنه غذاء، وإذا تناول شيئا يفسد عليه علمنا أنه مضار، فحينئذ اعتبرنا بأحوالهما.
وقال من نصر هذا الدليل: إن الحيوان يختلف طباعه، فليس ما يصلح الحيوان المستبهم يعلم أنه يصلح الحيوان الناطق، لأن هاهنا أشياء كثيرة تغذي كثيرا من الحيوان ويصلح عليها أجسامها وإن كان متى تناولها ابن آدم هلك، منها: أن الظبايا يأكل شحم الحنظل ويتغذى به ولو أكل ذلك ابن آدم لهلك في الحال، وكذلك النعامة تأكل النار وتحصل في معدتها، ولو أكل ذلك ابن آدم لهلك في الحال، وكذلك يقال: إن الفأرة تأكل البيش (1) فتعيش به ورائحة ذلك تقتل ابن آدم، فليس طبائع الحيوان على حد واحد وإذا لم يكن على حد واحد لم يجز أن نعتبر بأحوال غيرنا أحوال نفوسنا.
ولمن خالفهم في ذلك أن يقول: أحسب أنه لا يمكن أن نعتبر بأحوال الحيوان المستبهم أحوال الحيوان من البشر، أليس لو أقدم واحد منهم على طريق الخطأ والجهل على ما يذهبون إليه على تناول هذه الأشياء يعرف بذلك الخطأ ما هو غذاء وفرق بينه وبين السم، فينبغي أن يجوز لغيره أن يعتبر به ويجوز له بعد ذلك التناول منها وإن لم يرد سمع، لأ نه قد أمن العطب والهلاك. فالمعتمد في هذا الباب. ما ذكرناه أولا في صدر هذا الباب. فهذه جملة كافية في هذا المعنى إن شاء الله تعالى (2) انتهى ما أردنا نقله من كتاب العدة لرئيس الطائفة (قدس سره).
وأنا أقول: إن شئت تحقيق المقام فاستمع لما نتلو عليك من الكلام، بتوفيق الملك العلام ودلالة أهل الذكر (عليهم السلام).
فأقول: يستفاد من ظواهر الآيات الكريمة وتصريحات الأحاديث الشريفة بطلان