العمل بخلاف متضمنه، فإن جميع ذلك يوجب ترك العمل به. وإنما قلنا ذلك، لأن هذه الأدلة توجب العلم والخبر الواحد لا يوجب العلم وإنما يقتضي غالبا الظن والظن لا يقابل العلم. وأيضا فقد روي عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: " إذا جاءكم عنا حديثان فاعرضوهما على كتاب الله وسنة رسوله فإن وافقهما فخذوا به وما لم يوافقهما فردوه إلينا " (1) فلأجل ذلك رددنا هذا الخبر. ولا يجب على هذا أن نقطع على بطلانه في نفسه، لأ نه لا يمتنع أن يكون الخبر في نفسه صحيحا وله وجه من التأويل لا نقف عليه، أو خرج على سبب خفي علينا الحال فيه، أو تناول شخصا بعينه، أو خرج مخرج التقية وغير ذلك من الوجوه، فلا يمكننا أن نقطع على كذبه، وإنما يجب الامتناع من العمل به حسب ما قدمناه.
فأما الأخبار إذا تعارضت وتقابلت فإنه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح، والترجيح يكون بأشياء:
منها: أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة المقطوع بها والآخر مخالفا لهما، فإنه يجب العمل بما وافقهما وترك العمل بما خالفهما؛ وكذلك إن وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقة والآخر يخالفه وجب العمل بما يوافق إجماعهم ويترك العمل بما يخالفه فإن لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك وكانت فتيا الطائفة مختلفة نظر في حال رواتهما، فما كان راويه عدلا وجب العمل به وترك العمل بما لم يروه العدل - وسنبين القول في العدالة المراعاة في هذا الباب - فإن كان رواتهما جميعا عدلين نظر في أكثرهما رواة عمل به وترك العمل بقليل الرواة. فإن كان رواتهما متساويين في العدد والعدالة عمل بأبعدهما من قول العامة ويترك العمل بما يوافقهم. وإن كان الخبران يوافقان العامة أو يخالفانها جميعا نظر في حالهما، فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالخبر الآخر على وجه من الوجوه وضرب من التأويل وإذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر، لأن الخبرين جميعا منقولان