وأقول: هنا فوائد لابد من التنبيه عليها:
الأولى: أنه يستفاد من هذه الأحاديث أغلاط المعتزلة والأشاعرة ومن وافق المعتزلة (2) من متأخري أصحابنا في مسألة أول الواجبات.
الثانية: أنه يستفاد منها أن قول المعتزلة ومن وافقهم من أصحابنا في تحقيق كيفية بدء تعلق التكليف بعيد عن الحق نهاية البعد.
الثالثة: أنه يستفاد منها أن ما زعمه الأشاعرة: من أن مجرد تصور الخطاب من غير سبق معرفة إلهامية بخالق العالم وبأن له رضى وسخطا وبأنه لابد من معلم من جهته تعالى ليعلم الناس ما يصلحهم وما يفسدهم كاف في تعلق التكليف بهم، ليس بصحيح *.
الرابعة: أنه يستفاد منها أن العباد لم يكلفوا بتحصيل معرفة أصلا وأ نه على الله التعريف والبيان أولا بإلهام محض، وثانيا بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وإظهار المعجزة على يده (صلى الله عليه وآله) وعليهم قبول ما عرفهم الله.
الخامسة: أن الحديث الشريف الذي نقلناه عن باب القرآن من كتاب التوحيد
____________________
* قد بينا فساد ما توهمه المصنف في باب المعارف الخمس وأ نها أول الواجبات التي لا يجوز التقليد فيها. وفوائده هنا مبنية على اعتقاده، وكلام الأشاعرة وغيرهم يرجع إلى أن كل مكلف عاقل يشعر بأنه لم يخلق عبثا وأ نه لابد لخلقه من غاية، فيتفطن بذلك إلى مراجعة العقل في التفكر والتذكر لما يوجب له معرفة غاية ما خلق له. ومن هنا يعرف وجوب تحصيل المعرفة عليه، فينظر ويتعقل ما يمكنه به الوصول إليها بقدر حاله وقدرته، ولا شك أن ما يوصله إلى المعرفة من قوى الاستعداد لإدراكها وتحصيلها والاهتداء إليها هو من خلق الله - سبحانه وتعالى - لأ نه علة العلل والمتفضل بحلائل النعم. وليس ذلك مانعا من كون العبد مختارا فيها، كما أنه مختار في كل أفعاله غيرها.