السادسة: أنه تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأن " طلب العلم فريضة على كل مسلم " (2) كما تواترت بأن المعرفة موهبية غير كسبية وإنما عليهم اكتساب الأعمال (3) فكيف يكون الجمع بينهما؟
أقول: الذي استفدته من كلامهم (عليهم السلام) في الجمع بينهما: أن المراد بالمعرفة ما يتوقف عليه حجية الأدلة السمعية من معرفة صانع العالم (4) وتوحيده وأن له رضى وسخطا، وينبغي أن ينصب معلما ليعلم الناس ما يصلحهم وما يفسدهم ومن معرفة النبي (صلى الله عليه وآله). والمراد من العلم الأدلة السمعية كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): " العلم إما آية محكمة أو سنة متبعة أو فريضة عادلة " (5) وفي قول الصادق (عليه السلام) - المتقدم -: " إن من قولنا إن الله احتج على العباد بما آتاهم وعرفهم ثم أرسل إليهم الرسول وأنزل عليهم الكتاب وأمر فيه ونهى " (6) ونظائره إشارة إلى ذلك. ألا ترى أنه (عليه السلام) قدم أشياء على الأمر والنهي فتلك الأشياء كلها معارف وما يستفاد من الأمر والنهي، كله هو العلم *.
السابعة: أن العامة قد روت عنه (صلى الله عليه وآله) قريبا مما تقدم، فالأشاعرة منهم ذهبوا إلى أن الله تعالى يخلق التوحيد والكفر والطاعة والمعصية في عباده. ويمكن أن يتوهم متوهم أن ظاهر بعض الآيات وبعض الروايات معهم. وليس الأمر كذلك، بل معناهما أن الله تعالى كلف الأرواح كلهم صغيرهم وكبيرهم وكافرهم ومؤمنهم قبل
____________________
* العلم ليس منحصرا في معرفة الله، بل يعم جميع ما يمكن طلبه وعلمه، غاية الأمر خصص بما يدعو التكليف إليه، فما كان منه حاصلا بدون الطلب كالمعرفة إذا حصلت من عند الله - على معتقد المصنف - فهي خارجة عن الطلب المأمور به، لأن الطلب لا يكون إلا للمجهول، وعلى هذا فأي احتياج للجمع الذي تكلفه المصنف وغاير بين علم المعرفة وعلم غيرها بتوجيهات لا مناسبة لها ولا تقتضي مغايرة.