الوجه الثالث إن مقتضى الحكمة الربانية وشفقة سيد المرسلين والأئمة (عليهم السلام) بالشيعة أن لا يضيع من كان في أصلاب الرجال منهم ويمهد لهم أصولا معتمدة يعملون بما فيها في زمن الغيبة الكبرى *.
____________________
* إن المصنف كأنه غفل عن أن الدنيا دار الابتلاء وأن ابتلاء المؤمن على قدر إيمانه، وهو إلى المؤمنين أقرب من غيرهم، وقد اقتضت حكمة الله خفاء كثير من الحقوق، بحيث لم تظهر كل الظهور الذي لا يسع معه الاختلاف، ولا اختفت كل الخفاء الذي لا يمكن معه العلم ليتحقق مصداق قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فعلم أن الحق في المخفي يظهر بعد المجاهدة في طلبه. وغيبة الإمام (عليه السلام) من أعظم الابتلاء. ولو كانت الحكمة الإلهية تقتضي أن ينساق إلى الشيعة في كل وقت ما يقتضي ظهور الحق بالقطع والجزم ولا يجوز خفاء ذلك عنهم لكان الذي في زمن الأئمة (عليهم السلام) من أصحابهم الأجلاء في العلم والمعرفة والدين أحق أن ينساق إليهم ما يوجب بقاءهم على الهدى، بعد أن كانوا قد حصلوه ثم عدلوا عنه من مثل الواقفة والفطحية والزيدية وأمثالهم، فما رأينا حالهم إلا كحال غيرهم في الضلالة والهداية. وليس عند الله سبحانه فرق في إرادة الهداية من كل مخلوق، فالذي كانت تقتضيه الحكمة للشيعة تقتضيه لغيرهم من مخلوقات الله، لأن الكل عباده وتحت رحمته؛ وقد علمنا كثرة الاختلاف الواقع في حال الرواة من المدح والطعن بما لا مزيد عليه من ذلك الزمان، وكذلك اختلاف مذاهبهم وتصريح أصحاب كتب الرجال بمدح بعضهم وضعف رواياته وتصريحهم أيضا بكذب بعضهم ووضعه للأحاديث، ونقلوا عن ابن عقدة: أنه كان يحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها ويذاكر بثلاثمائة، وروى جميع كتب أصحابنا (1) ومع ذلك كان زيديا جاروديا، ومثل