وهذا مفقود في هؤلاء، وإن عولتم على عملهم دون روايتهم فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم وذلك يدل على جواز العمل بأخبار الكفار والفساق.
قيل لهم: لسنا نقول بأن جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها، بل لها شرائط نحن نذكرها فيما بعد، ونشير هاهنا إلى جملة من القول فيه:
فأما ما يرويه العلماء المعتقدون للحق فلا طعن على ذلك بهذا السؤال. وأما ما يرويه قوم من المقلدة فالصحيح الذي اعتقده أن المقلد للحق وإن كان مخطئا في الأصل معفو عنه ولا أحكم فيه بحكم الفساق، فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه، على أن من أشاروا إليه لا نسلم أنهم كلهم مقلدة بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة كما تقوله جماعة أهل العدل في كثير من أهل الأسواق والعامة، وليس من حيث يتعذر عليهم إيراد الحجج في ذلك ينبغي أن يكونوا غير عالمين، لأن إيراد الحجج والمناظرة صناعة وليس يقف حصول المعرفة على حصولها كما قلنا في أصحاب الجمل، وليس لأحد أن يقول: إن هؤلاء ليسوا من أصحاب الجمل، لأ نهم إذا سألوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الله تعالى أو صحة النبوة قالوا: كذا روينا، ويروون في ذلك كله الأخبار، وليس هذا طريقة أصحاب الجمل، وذلك أنه لا يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجمل وقد حصلت لهم المعارف بالله تعالى، غير أنهم لما تعذر عليهم إيراد الحجج في ذلك أحالوا على ما كان سهلا عليهم، وليس يلزمهم أن يعلموا أن ذلك لا يصح أن يكون دليلا إلا بعد أن يتقدم المعرفة بالله، وإنما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين وهم عالمون على الجملة كما قدرناه، فما يتفرع عليه الخطأ فيه لا يوجب التكفير ولا التضليل. وأما الفرق الذين أشاروا إليهم من الواقفية والفطحية وغير ذلك فعن ذلك جوابان:
أحدهما: إن ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل - وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد - إذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين وتحرجهم من الكذب ووضع الأحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمة (عليهم السلام) نحو عبد الله بن بكير وسماعة بن مهران، ونحو بني فضال من المتأخرين عنهم، وبني سماعة، ومن