البديهية ليس بمستحسن، فالفقهاء ظنوا أن ذلك الباعث جار هنا، وليس كذلك، لأ نه ليس شيء من الأحكام الشرعية بديهيا بمعنى أنه لا يحتاج إلى دليل، والسبب في ذلك أن كلها محتاج إلى السماع من صاحب الشريعة. وبالجملة: وضوح الدليل لا يستلزم بداهة المدعى.
وذكر السيد السند العلامة الأوحد السيد جمال الدين محمد الإسترابادي (قدس سره) في شرحه (1): هذا جواب سؤال مشهور وهو: أن العلم هو التصديق اليقيني والتصور، والفقه من باب الظنون فكيف يصح أخذ العلم في تعريفه؟
وملخص الجواب: أن الفقه من أقسام العلم وإن وقع في مقدماته الظن، وتحرير المقام: أن المجتهد بعد ما تعلق ظنه بحكم يرتب دليلا هكذا: هذا ما تعلق به ظن المجتهد، وكل ما تعلق به ظن المجتهد واجب العمل، ويأخذ نتيجته وهو قولنا: هذا واجب العمل، والمقدمتان قطعيتان. أما الأولى: فلأنها وجدانية كإدراكنا الجوع والعطش. وأما الثانية: فهي إجماعية، هكذا قالوا.
وفيه بحث، لأن المقدمة الثانية قد أورد عليها أن الإجماع لا يفيد إلا الظن في هذه الصورة.
وأجيب عنه بأن هذه المقدمة متواترة بالمعنى فهي يقينية؛ هكذا قال صاحب التلويح (2) انتهى كلامه.
أقول: توضيح المقام: أنه كان الشائع بين علماء العامة التمسك بآيات وروايات ظنية من جهة الدلالة أو من جهة المتن في جواز العمل بظن المجتهد المتعلق بنفس أحكامه تعالى، ولما وصلت النوبة إلى ابن الحاجب وتفطن بأن هذا التمسك يشتمل على دور بين واضح أحدث دليلا آخر قطعيا بزعمه، وهو أنا نعلم بالتواتر أن الصحابة الكبار عدلوا عن الظواهر القرآنية المانعة عن العمل بظن المجتهد المتعلق بنفس أحكامه تعالى، ولنا مقدمة عادية قطعية هي أن مثل هذا العدول لم يقع عن