مع صباه لأمر يعلمه الله (١) ورسوله، فلا يرد هؤلاء نقضا على ما استفيد من الآية ومشى عليه أولئك الأئمة، لأن أهل الفترة لا يعذبون.
هذا الذي ذكرته في الجواب أولى من الجواب بأن أحاديثهم أخبار آحاد ولا يعارض القطع بأن أهل الفترة لا يعذبون، أو بأن التعذيب المذكور في الأحاديث مقصور على من بدل وغير من أهل الفترة بما لم يعذر به، كعبادة الأوثان وتغيير الشرائع، وكان قائل هذا ممن يرى وجوب الإيمان بالعقل. والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة أنه لا يجب توحيد ولا غيره إلا بعد إرسال الرسول إليهم، ومن المقرر: أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل (عليه السلام) وأن إسماعيل انتهت رسالته بموته، فلا فرق بين من غير وبدل وغيره، ما عدا من صح تعذيبه فيقصر ذلك عليه، لأ نه لا قياس في ذلك.
وقول أبي حيان: إن الرافضة قائلون بأن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) غير معذبين مستدلين بقوله تعالى: ﴿وتقلبك في الساجدين﴾ (2) لك رده بأن مثل أبي حيان إنما يرجع عليه في علم النحو وما يتعلق به وأما المسائل الأصولية فهو عنها بمعزل، كيف!
والأشاعرة ومن ذكر معهم فيما مر آنفا قالوا بأنهم مؤمنون غير معذبين، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم، مع أن هؤلاء الذين هم أئمة أهل السنة قائلون به قصور وأي قصور وتساهل وأي تساهل؟! (3) انتهى ما أردنا نقله من كلام ابن حجر المكي.
فلنذكر طرفا من تلك الأخبار:
ففي كتاب العلل (4) في باب علل الشرائع وأصول الإسلام: حدثني عبد الواحد بن محمد عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري: إن سأل سائل فقال: أخبرني عن تكليف الحكيم عبده فعلا من الأفاعيل لغير علة ولا معنى؟
قيل له: لا يجوز ذلك، لأ نه حكيم غير عابث ولا جاهل.