على أن المصيب عند اختلاف المجتهدين واحد. وقد اختلفوا في ذلك بناء على اختلافهم في أن لله تعالى في كل صورة من الحوادث حكما معينا أم الحكم ما أدى إليه اجتهاد المجتهد؟ فعلى الأول يكون المصيب واحدا، وعلى الثاني يكون كل مجتهد مصيبا.
وتحقيق هذا المقام: أن المسألة الاجتهادية إما أن لا يكون لله تعالى فيها حكم معين قبل اجتهاد المجتهد أو يكون، وحينئذ إما أن لا يدل عليه أو يدل، وذلك الدليل إما قطعي أو ظني، فذهب إلى كل احتمال جماعة، فحصل أربعة مذاهب:
الأول: أن لا حكم في المسألة قبل الاجتهاد بل الحكم ما أدى إليه رأي المجتهد وإليه ذهب عامة المعتزلة ثم اختلفوا، فذهب بعضهم إلى استواء الحكمين في الحقية، وبعضهم إلى كون أحدهما أحق، وقد ينسب ذلك إلى الأشعري، بمعنى أ نه لم يتعلق الحكم بالمسألة قبل الاجتهاد وإلا فالحكم قديم عنده.
الثاني: أن الحكم معين ولا دليل عليه بل العثور عليه بمنزلة العثور على دفين، فلمن أصاب أجران ولمن أخطأ أجر الكد، وإليه ذهب طائفة من الفقهاء والمتكلمين.
الثالث: أن الحكم معين وعليه دليل قطعي والمجتهد مأمور بطلبه، وإليه ذهب طائفة من المتكلمين، ثم اختلفوا في أن المخطئ هل يستحق العقاب؟ وفي أن حكم القاضي بالخطأ هل ينقض؟
الرابع: أن الحكم معين وعليه دليل ظني إن وجده أصاب وإن فقده أخطأ والمجتهد غير مكلف بإصابتها، لغموضها وخفائها ولذا كان المخطئ معذورا بل مأجورا (1). انتهى كلامه.
وفي إحكام الآمدي من كتب الشافعية: الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين مخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه، فقولنا: " استفراغ الوسع " كالجنس، وما وراه خواص مميزة، وقولنا: " في طلب الظن " احتراز عن الأحكام القطعية، وقولنا: