والجواب أنه مشترك الإلزام، إذ لا خلاف في أنه يلزمه اتباع ظنه. والجواب الحق هو الحل، وهو أنه يرجع إلى حاكم ليحكم بينهما فيتبعان حكمه، لوجوب اتباع الحكم للموافق والمخالف (١).
وفي التلويح للعلامة التفتازاني (شرح التوضيح لصدر الشريعة من كتب الحنفية):
لما كان بحث الأصول عن الأدلة من حيث أن يستنبط منها الأحكام وطريق ذلك هو الاجتهاد، ختم مباحث الأدلة بباب الاجتهاد، وهو في اللغة تحمل الجهد والمشقة. وفي الاصطلاح: استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعي، وهذا هو المراد بقولهم: " بذل المجهود لنيل المقصود " ومعنى: " استفراغ الوسع " بذل تمام الطاقة بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه، فخرج استفراغ غير الفقيه وسعه في معرفة حكم شرعي، وبذل الفقيه وسعه في معرفة حكم شرعي قطعي، أو في الظن بحكم غير شرعي.
وشرط الاجتهاد أن يجمع العلم بالأمور الثلاثة:
الأول: الكتاب (أي القرآن) بأن يعرفه بمعانيه لغة وشريعة، أما لغة فبأن يعرف معاني المفردات والمركبات وخواصها في الإفادة، فيفتقر إلى اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان، اللهم إلا أن يعرف ذلك بحسب السليقة. وأما شريعة فبأن يعرف المعاني المؤثرة في الأحكام، مثلا يعرف في قوله تعالى: ﴿أو جاء أحد منكم من الغائط﴾ (2) أن المراد بالغائط الحدث وان علة الحكم خروج النجاسة عن بدن الإنسان الحي، وبأقسامه من العام والخاص والمشترك والمجمل والمفصل وغير ذلك مما سبق ذكره، بأن يعلم أن هذا خاص وذاك عام، وهذا ناسخ وذاك منسوخ، إلى غير ذلك. ولا خفاء في أن هذا مغاير لمعرفة المعاني. والمراد بالكتاب قدر ما يتعلق بمعرفة الأحكام، والمعتبر هو العلم بمواقعها بحيث يتمكن من الرجوع إليها عند طلب الحكم، لا الحفظ عن ظهر القلب.
الثاني: السنة قدر ما يتعلق بمعرفة الأحكام بأن يعرف بمتنها وهو نفس