الوجوب والحرمة الذاتيين، بل أقول: الدليل العقلي قائم على ذلك بأن نقول: لو كان الوجوب والحرمة بمعنى استحقاق العقاب ذاتيين لكانا جاريين في أفعاله تعالى، ومن المعلوم المتفق عليه بطلانه. والقبيح الذاتي هو الفعل الذي يتصف بصفة إذا علمها الحكيم ينفر عنه كما أفاده سلطان المحققين نصير الدين الطوسي (رحمه الله) في الفصول النصيرية (1) وكل من قال بالقبيح الذاتي بهذا المعنى قال بأن فاعله يستحق الذم في نظر الحكيم إذا فعله مع العلم باتصافه بتلك الصفة. ومنهم من زاد على ذلك فقال بأن فاعله يستحق العقاب أيضا.
ثم اتفقوا على أن فاعله مع الغفلة على اتصافه بتلك الصفة معذور عند الحكيم، واختلفوا في فاعله مع التردد في اتصافه بتلك الصفة هل هو معذور أم لا؟ فمنهم من قال بأنه معذور. ومنهم من قال بأنه غير معذور فيستحق الذم والعقاب. ثم القائلون بالثاني افترقوا فرقتين في حكم المتردد فرقة قالت بالوقف وفرقة قالت بالحظر.
وأنا أقول: القول بالحظر في حق المتردد باطل قطعا، لأ نه لا يجوز للمتردد نهي الغير عن فعله، لأن شرط النهي عن المنكر العلم بأنه منكر، ولأنه يحتمل أن يطلع فاعله في بعض الصور على ما لم يطلع عليه المتردد، فلا يجوز نهيه عنه، ولو كان محظورا لجاز، لأن الكلام في المحظور القطعي لا المحظور الاجتهادي.
ثم أقول: من المعلوم أن من قال بالملازمة بين استحقاق الذم وبين استحقاق العقاب مع العلم باتصافه بتلك الصفة يلزمه أن يقول بالملازمة بينهما مع التردد في اتصافه بتلك الصفة. والحق الذي لا ريب فيه عدم الملازمة بينهما، كما نقلناه عن الزركشي واخترناه (2) وأن حكم المتردد الوقف، لأ نه من البديهيات الفطرية أن المحاظر مذموم ولو سلم، لا الحظر، لما حققناه آنفا من عدم جواز أن ينهى عنه.
ثم أقول: وضع هذا الباب مما لا طائل تحته عندي، لوجوه:
أحدها: أنه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بأن الحجة على الخلق أول الخلق وآخر الخلق (3) أي لا يخلو الأرض عن معصوم حجة على الخلق أبدا، ثم