بالاستنباطات الظنية من كتاب الله أو من سنة رسوله أو من الاستصحاب أو من البراءة الأصلية عن الأحكام الشرعية أو من القياس أو من إجماع المجتهدين وأشباهها، كان من شعار متقدمي أصحابنا أصحاب الأئمة (عليهم السلام) حتى صنفوا في ذلك كتبا، ومن الكتب المصنفة في ذلك " كتاب النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد " ذكره النجاشي في ترجمة إسماعيل بن علي بن إسحاق (1).
ومن الموضحات لما ذكرناه ما رواه رئيس الطائفة بسنده عن خراش، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال، قلت: جعلت فداك! إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه (2).
قلت: جماعة من متأخري أصحابنا قالوا: هذه الرواية متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط الاجتهاد بالكلية (3).
وأنا أقول: هي محمولة على ظاهرها، ومعناها سقوط الاجتهاد في نفس أحكام الله تعالى بالكلية فكأنه (عليه السلام) قال: إن الجاهل بحكم الله في مسألة الإطباق لا يحتاج إلى أن يجتهد فيها، بل له مندوحة عن ذلك وهي سلوك طريق التوقف والاحتياط كما تواترت به الأخبار عنهم (عليهم السلام) في كل مسألة لم يكن حكم الله فيها بينا واضحا.
وفي الكافي - في باب سؤال العالم وتذاكره - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر الأحول، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يسع الناس حتى يسألوا ويتفقهوا ويعرفوا إمامهم، ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقية (4).
أقول: هذا الحديث الشريف ونظائره صريحان في أنه يجوز للرعية أن تعتمد على قول إمامه في العقائد أيضا، كمسألة القضاء والقدر.
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن حريز،