ثم أقول: بعد أن علمنا وفور أحاديث قدمائنا الصحيحة وكثرة الأصول المجمع على صحتها، وعلمنا تمكن قدمائنا الأفاضل الأعلام المصنفين من أخذ الأحكام بطريق القطع منهم (عليهم السلام) بمشافهة أو بغيرها في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة وتمكنهم من استعلام حال أحاديث تلك الأصول، وعلمنا عملهم بها في أزمنتهم (عليهم السلام) وعلمنا تقرير الأئمة (عليهم السلام) إياهم على ذلك، وعلمنا أن الأئمة الثلاثة أخذوا أحاديث كتبهم من تلك الأصول، وعلمنا عدم جواز التلفيق بين المأخوذ من الأصول المجمع عليها وبين ما لا يعتمد عليه من غير نصب علامة مميزة بينهما يلزم أحد الأمرين: إما نسبة تخريب المذهب إلى الأئمة الثلاثة أو القطع بأن أحاديث كتبهم كلها مأخوذة من تلك الأصول المجمع على صحتها. هكذا ينبغي أن يفهم هذا الموضع والتكلان على التوفيق *.
____________________
* قد ادعى المصنف هنا العلم في مواضع عديدة بغير بينة ولا برهان وألزم لوازم كذلك.
ومما يدل على خلاف ما ادعاه وما ألزمه: أن الأصول المذكورة لو كانت موجودة في زمن الأئمة الثلاثة وإن كان كلها صحيحة، كيف جاز الاختلاف بينها والتضاد حتى قال الشيخ (رحمه الله) في أول التهذيب: إنه لا يكاد يتفق خبر إلا بإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا. وقال بعد ذلك: حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق. وذكر عن شيخه: أن أبا الحسن الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب (1) فبعد هذا الكلام - والكليني ذكر قريبا من ذلك - كيف يلتبس على عاقل أن يكون أحاديث كتابيه مأخوذة من الأصول الصحيحة الثابتة عنهم (عليهم السلام) وكيف تكون تلك الأصول الصحيحة موجودة ولا يجوز الاختلاف فيها على الوجه الذي ذكره الشيخ، لأن كلام الأئمة الصحيح عنهم منزه عن مثل ذلك، فأي أصول حصل فيها هذا الاختلاف غير تلك الأصول التي أوجب هذا الفساد العظيم من ارتداد
ومما يدل على خلاف ما ادعاه وما ألزمه: أن الأصول المذكورة لو كانت موجودة في زمن الأئمة الثلاثة وإن كان كلها صحيحة، كيف جاز الاختلاف بينها والتضاد حتى قال الشيخ (رحمه الله) في أول التهذيب: إنه لا يكاد يتفق خبر إلا بإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا. وقال بعد ذلك: حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق. وذكر عن شيخه: أن أبا الحسن الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب (1) فبعد هذا الكلام - والكليني ذكر قريبا من ذلك - كيف يلتبس على عاقل أن يكون أحاديث كتابيه مأخوذة من الأصول الصحيحة الثابتة عنهم (عليهم السلام) وكيف تكون تلك الأصول الصحيحة موجودة ولا يجوز الاختلاف فيها على الوجه الذي ذكره الشيخ، لأن كلام الأئمة الصحيح عنهم منزه عن مثل ذلك، فأي أصول حصل فيها هذا الاختلاف غير تلك الأصول التي أوجب هذا الفساد العظيم من ارتداد