أن أصحابنا الإمامية - رضي الله عنهم - كان اجتنابهم عن مخالطة من كان من الشيعة على الحق أولا ثم أنكر إمامة بعض الأئمة (عليهم السلام) في أقصى المراتب، وكانوا يحترزون عن مجالستهم والتكلم معهم فضلا عن أخذ الحديث عنهم، بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة، فإنهم كانوا يتاقون العامة ويجالسونهم وينقلون عنهم ويظهرون لهم أنهم منهم خوفا من شوكتهم، لأن حكام الضلال منهم. وأما هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وسيما الواقفية، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم حتى أنهم كانوا يسمونهم ب " الممطورة " أي: الكلاب التي أصابها المطر! وأئمتنا (عليهم السلام) لم يزالوا ينهون شيعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ويأمرون بالدعاء عليهم في الصلاة ويقولون: إنهم كفار مشركون زنادقة وإنهم شر من النواصب، وأن من خالطهم وجالسهم فهو منهم، وكتب أصحابنا مملوة بذلك كما يظهر لمن تصفح كتاب الكشي وغيره، فإذا قبل علماؤنا - سيما المتأخرون منهم - رواية رواها رجل من ثقات أصحابنا عن أحد هؤلاء وعولوا عليها ومالوا إليها وقالوا بصحتها مع علمهم بحاله، فقبولهم لها وقولهم بصحتها لابد من ابتنائه على وجه صحيح لا يتطرق به القدح إليهم ولا إلى ذلك الرجل، لثقة الراوي عمن هذا حاله، كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف، أو بعد توبته ورجوعه إلى الحق، وأن النقل إنما وقع من أصله الذي ألفه واشتهر عنه قبل الوقف، أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد، ككتب " علي بن الحسن الطاطري " فإنه وإن كان من أشد الواقفية عنادا للإمامية، إلا أن الشيخ شهد له في الفهرست بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم؛ إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة. والظاهر أن قبول المحقق - طاب ثراه - رواية " علي بن أبي حمزة " مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة عن أصله، وتعليله مشعر بذلك، فإن الرجل من أصحاب الأصول. وكذلك قول العلامة بصحة رواية " إسحاق بن جرير " عن الصادق (عليه السلام)
(١٤٨)