فائدة ذكر الفاضل المدقق الشيخ حسن ابن العالم الرباني الشهيد الثاني - قدس الله سرهما - في أوائل كتاب المنتقى ولقد كانت حالة الحديث مع السلف الأولين على طرف النقيض مما هو فيه مع الخلف الآخرين، فأكثروا لذلك فيه المصنفات وتوسعوا في طرق الروايات وأوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات إلى التفرقة بين صحيح الطريق وضعيفه ولا تعرض للتمييز بين سليم الإسناد وسقيمه، اعتمادا منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه، وتعويلا على الامارات الملحقة لمنحط الرتبة بما فوقه، كما أشار إليه الشيخ (رحمه الله) في فهرسته، حيث قال: " إن كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وكتبهم معتمدة " وغير خاف أنه لم يبق لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين وأصبح حظنا الأثر وفازوا بالعيان وعوضنا عنه بالخبر، فلا جرم انسد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة، وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة - إلى أن قال - اصطلح المتأخرون من أصحابنا على تقسيم الخبر باعتبار اختلاف أحوال رواته إلى الأقسام الأربعة المشهورة (1) انتهى.
وأقول: في بعض كلامه بحث، وهو: أن بعض تلك الأبواب انسد وبقيت لنا - بحمد الله تعالى - أبواب مفتوحة فيها الكفاية، وسيجئ زيادة تحقيق لهذا المقام في كلامنا إن شاء الله تعالى.
ثم قال في موضع آخر من كتاب المنتقى: القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفا، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره، فلما اندرست تلك الآثار واستقلت الأسانيد بالأخبار اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب وتعيين البعيد عن الشك، فاصطلحوا