فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة (1).
وقال الزركشي في شرحه: هذا من المصنف تحرير (2) لنقل مذهب الاعتزال، فإن الإمام الرازي عمم الخلاف بينهم في جميع الأفعال. وليس كذلك، بل الأفعال الاختيارية عندهم تنقسم إلى ما يقتضي العقل فيها بحسن أو قبح، وتنقسم إلى الأحكام الخمسة بحسب ترجيح الحسن أو القبح وتعادلهما، ولا خلاف عندهم في هذا، وإليه أشار بقوله: " وحكمت المعتزلة العقل " أي فيما يقضي فيه العقل ودل عليه قوله بعد: " فإن لم يقض " وإنما الخلاف فيما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح كفضول الحاجات والنعمات هل هو واجب أو مباح أو على الوقف؟ ثلاثة مذاهب.
والقائلون بالحظر - كما قاله التلمساني - لا يريدون أنه باعتبار صفة في المحل، بل حظر احتياطي كما يجب اجتناب المنكوحة إذا اختلطت بأجنبية.
والقائلون بالوقف أرادوا وقف خيرة. وطريق البحث معهم في هذه المسألة والتي قبلها أن كل احتمال عينوه وبنوا عليه حكما قابلناهم بنقيضه، فتعارض شبه القائل بالإباحة شبه القائلين بالحظر وشبه الواقفين من شبههما.
تنبيهات (3):
الأول: تحرير النقل عنهم هكذا تابع فيه الآمدي، قال القرافي وإطلاق الإمام الخلاف عنهم ينافي قواعدهم، فإن القول بالحظر مطلقا يقتضي تحريم إنقاذ الغريق ونحوه، والقول بالإباحة مطلقا يقتضي إباحة القتل والفساد. وأما ما لا يطلع العقل على مصلحته أو مفسدته، فيمكن أن يجيء فيه الخلاف.
الثاني: قوله: " وحكمت المعتزلة العقل " (4) يقتضي أن مذهبهم أن العقل منشأ للحكم مطلقا. وليس كذلك، بل التحقيق والنقل عنهم أنهم قالوا: الشرع مؤكد لحكم العقل فيما أدركه من حسن الأشياء وقبحها كحسن الصدق النافع والإيمان وقبح الكذب الضار والكفران، وليس مرادهم أن العقل يوجب أو يحرم، وقد لا يستقل