وسيبويه: لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل، فلا يقال ما أعماه كما لا يقال ما أيداه. وقال الأخفش: لا يقال فيه ذلك لأنه أكثر من أحرف. وقد حكى الفراء عن بعض العرب أنه سمعه يقول ما أسود شعره، ومن ذلك قول الشاعر:
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم * لؤما وأبيضهم سربال طباخ والبحث مستوفى في النحو. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف " أعمى " بالإمالة في الموضعين وقرأهما أبو عمرو ويعقوب والباقون بغير إمالة، وأمال أبو عبيد الأول دون الثاني (وأضل سبيلا) يعنى أن هذا أضل سبيلا من الأعمى لكونه لا يجد طريقا إلى الهداية، بخلاف الأعمى فقد يهتدى في بعض الأحوال. ثم لما عدد سبحانه في الآيات المتقدمة أقسام النعم على بني آدم أردفه بما يجري مجرى التحذير من الاغترار بوساوس الأشقياء فقال (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) إن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والمعنى: وإن الشأن قاربوا أن يخدعوك فاتنين، وأصل الفتنة الاختبار، ومنه فتن الصائغ الذهب، ثم استعمل في كل من أزال الشئ عن حده وجهته، وذلك لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن وافتراء على الله سبحانه من تبديل الوعد بالوعيد وغير ذلك (عن الذي أوحينا إليك) من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد (لتفتري علينا غيره) لتتقول علينا غير الذي أوحينا إليك مما اقترحه عليك كفار قريش (وإذا لاتخذوك خليلا) أي لو اتبعت أهواءهم لاتخذوك خليلا لهم: أي والوك وصافوك، مأخوذ من الخلة بفتح الخاء (ولولا أن ثبتناك) على الحق وعصمناك عن موافقتهم (لقد كدت تركن إليهم) لقاربت أن تميل إليهم أدنى ميل، والركون هو الميل اليسير. ولهذا قال (شيئا قليلا) لكن أدركته صلى الله عليه وآله وسلم العصمة فمنعته من أن يقرب من أدنى مراتب الركون إليهم. فضلا عن نفس الركون، وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما هم بإجابتهم، ذكر معناه القشيري وغيره، وقيل المعنى: وإن كادوا ليخبرون في عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازا واتساعا كما تقول للرجل: كدت تقتل نفسك: أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكر معناه المهدوي. ثم توعده سبحانه في ذلك أشد الوعيد فقال (إذ لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) أي لو قاربت أن تركن إليهم، أي مثلي ما يعذب به غيرك ممن يفعل هذا الفعل في الدارين، والمعنى: عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات: أي مضاعفا، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وأضيفت، وذلك لأن خطأ العظيم عظيم كما قال سبحانه - يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين - وضعف الشئ مثلاه، وقد يكون الضعف النصيب كقوله - لكل ضعف - أي نصيب. قال الرازي: حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) ينصرك فيدفع عنك هذا العذاب. قال النيسابوري: اعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها، والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها، فلا يلزم من الآية طعن في العصمة (وإن كادوا ليستفزونك) الكلام في هذا كالكلام في " وإن كادوا ليفنونك ": أي وإن الشأن أنهم قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة لتخرج عنها، ولكنه لم يقع ذلك منهم، بل منعهم الله منه حتى هاجر بأمر ربه بعد أن هموا به، وقيل إنه أطلق الاخراج على إرادة الإخراج تجويزا (وإذن لا يلبثون خلفك إلا قليلا) معطوف على ليستفزونك: أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمنا قليلا. ثم عوقبوا عقوبة تستأصلهم جميعا. وقرأ عطاء بن أبي رباح " لا يلبثوا " بتشديد الباء الموحدة. وقرئ " لايلبثوا " بالنصب على إعمال إذن على أن الجملة معطوف على جملة - وإن كادوا - لا على الخبر فقط. وقرأ نافع