سورة الإسراء الآية (82 - 85) لما ذكر سبحانه الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات، وهى الصلاة، فقال (أقم الصلاة لدلوك الشمس). وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية المراد بها الصلوات المفروضة.
وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين: أحدهما أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه وأبو هريرة وأبو برزة وابن عباس والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو جعفر الباقر، واختاره ابن جرير. والقول الثاني: أنه غروب الشمس قاله على وابن مسعود وأبي بن كعب، وروى عن ابن عباس. قال الفراء: دلوك الشمس: من لدن زوالها إلى غروبها. قال الأزهري: معنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة، وقيل لها إذا أفلت دالكة، لأنها في الحالتين زائلة. قال: والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس، والمعنى: أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس (إلى غسق الليل) فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال (وقرآن الفجر) هذه خمس صلوات. وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها، ودلكت براح: يعني الشمس: أي غابت، وأنشد قطرب على هذا قول الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح * دبت حتى دلكت براح اسم من أسماء الشمس على وزن حذام وقطام، ومن ذلك قول ذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها * نجوم ولا بالآفلات الدوالك أي الغوارب، وغسق الليل اجتماع الظلمة. قال الفراء والزجاج: يقال غسق الليل وأغسق: إذا أقبل بظلامه قال أبو عبيد: الغسق سواد الليل. قال قيس بن الرقيات:
إن هذا الليل قد غسقا * واستكنت الهم والأرقا وقيل غسق الليل: مغيب الشفق، ومنه قول زهير:
طلت تجود يداها وهى لاهية * حتى إذا جعجع الإظلام والغسق وأصل الكلمة من السيلان يقال: غسقت إذا سالت. وحكى الفراء غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجى وأدجى وغبش وأغبش، وقد استدل بهذه الغاية أعني قوله (إلى غسق الليل) من قال إن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب، روى ذلك عن الأوزاعي وأبي حنيفة وجوزه مالك والشافعي في حال الضرورة، وقد وردت الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعيين أوقات الصلوات، فيجب حمل مجمل هذه الآية على ما بينته السنة فلا نطيل بذكر ذلك. قوله (وقرآن الفجر) انتصاب قرآن لكونه معطوفا على