السماء كما زعمت علينا كسفا) قرأ مجاهد " أو تسقط " مسندا إلى السماء. وقرأ من عداه " أو تسقط " على الخطاب:
أي أو تسقط أنت يا محمد السماء. والكسف بفتح السين جمع كسفة: وهى قراءة نافع وابن عامر وعاصم، والكسفة القطعة. وقرأ الباقون " كسفا " بإسكان السين. قال الأخفش: من قرأ بإسكان السين جعله واحدا ومن قرأ بفتحها جعله جمعا. قال المهدوي: ويجوز أن يكون على قراءة الكون جمع كسفة، ويجوز أن يكون مصدرا. قال الجوهري:
الكسفة القطعة من الشئ، يقال: أعطني كسفة من ثوبك، والجمع كسف وكسف، ويقال الكسف والكسفة واحد، وانتصاب كسفا على الحال، والكاف في كما زعمت في محل نصب على أنه صفة مصدر محذوف: أي إسقاطا ممائلا لما زعمت، يعنون بذلك قول الله سبحانه - إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء - قال أبو علي: الكسف بالسكون. الشئ المقطوع كالطحن للمطحون واشتقاقه على ما قال أبو زيد من كسفت الثوب كسفا إذا قطعته. وقال الزجاج: من كسفت الشئ إذا غطيته كأنه قيل أو تسقطها طبقا علينا (أو تأتى بالله والملائكة قبيلا).
اختلف المفسرون في معنى (قبيلا) فقيل معناه معاينة قاله قتادة وابن جريج، واختاره أبو علي الفارسي فقال: إذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنكير والنذير. وقيل معناه كفيلا قاله الضحاك، وقيل شهيدا قاله مقاتل، وقيل هو جمع القبيلة: أي تأتى بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة قاله مجاهد وعطاء، وقيل ضمنا، وقيل مقابلا كالعشير والمعاشر (أو يكون لك بيت من زخرف) أي من ذهب، وبه قرأ ابن مسعود، وأصله الزينة، والمزخرف المزين، وزخارف الماء طرائقه. وقال الزجاج: هو الزينة فرجع إلى الأصل معنى الزخرف، وهو بعيد لأنه يصير المعنى: أو يكون لك بيت من زينة (أو ترقى في السماء) أي تصعد في معارجها: يقال رقيت في السلم إذا صعدت وارتقيت مثله (ولن نؤمن لرقيك) أي لأجل رقيك وهو مصدر نحو مضى يمضي مضيا وهوى يهوى هويا (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) أي حتى تنزل علينا من السماء كتابا يصدقك ويدل على نبوتك نقرؤه جميعا، أو يقرؤه كل واحد منا، وقيل معناه: كتابا من الله إلى كل واحد منا كما في قوله - بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة - فأمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بما يفيد التعجب من قولهم، والتنزيه للرب سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال (قل سبحان ربى) أي تنزيها لله عن أن يعجز عن شئ. وقرأ أهل مكة والشام " قال سبحان ربى " يعنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (هل كنت إلا بشرا) من البشر لا ملكا حتى أصعد السماء (رسولا مأمورا من الله سبحانه بابلاغكم، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشرا قدر على شئ منها؟ وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي، فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك، لأن بها يتبين صدقه، ولا ضرورة إلى طلب الزيادة، وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على ربي بما ليس بضروري، ولا دعت إليه حاجة، ولو لزمتني الإجابة لكل متعنت لاقترح كل معاند في كل وقت اقتراحات، وطلب لنفسه إظهار آيات، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وتنزه عن تعنتاتهم، وتقدس عن اقتراحاتهم.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن سيرفع، قيل كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف؟ قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلا رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شئ، ثم قرأ (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) وقد ورى عنه هذا من طرق، وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفا. وأخرج