أجلب من الجلبة والصياح: أي صح عليهم. وقال الزجاج: أي اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك. فالإجلاب الجمع، والباء في " بخيلك " زائدة. وقال ابن السكيت: الإجلاب الإعانة، والخيل تقع على الفرسان كقوله صلى الله عليه وآله وسلم " يا خيل الله اركبي " وتقع على الأفراس. والرجل بسكون الجيم: جمع رجل كتاجر وتجر، وصاحب وصحب، وقرأ حفص بكسر الجيم على أنه صفة. قال أبو زيد: يقال رجل ورجل، بمعنى راجل، فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان، أو المراد كل راكب وراجل في معصية الله (وشاركهم في الأموال والأولاد) أما المشاركة في الأموال، فهي كل تصرف فيها يخالف وجه الشرع سواء كان أخذا من غير حق.
أو وضعا في غير حق كالغصب والسرقة والربا، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام وجعلها بحيرة وسائبة، والمشاركة في الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي، وتحصيله بالزنا وتسميتهم بعبد اللآت وعبد العزى، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر وأفعال السوء ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق، ووأد البنات وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها، ومن ذلك مشاركة الشيطان للمجامع إذا لم يسم، ثم قال (وعدهم) قال الفراء: قل لهم لا جنة ولا نار. وقال الزجاج: وعدهم بأنهم لا يبعثون (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) أي باطلا، وأصل الغرور تزيين الخطأ بما يوهم الصواب، وقيل معناه: وعدهم النصرة على من خالفهم، وهذه الأوامر للشيطان من باب التهديد والوعيد الشديد، وقيل هي على طريقة الاستخفاف به وبمن تبعه (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) يعني عبادة المؤمنين كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون لما في الإضافة من التشريف، وقيل المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله في غير هذا الموضع - إلا من اتبعك من الغاوين -، والمراد بالسلطان التسلط (وكفى بربك وكيلا) يتوكلون عليه. فهو الذي يدفع عنهم كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين خلق ضعيفا وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شئ (لأحتنكن ذريته إلا قليلا) فصدق ظنه عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه (لأحتنكن ذريته) قال: لأستولين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد (لأحتنكن ذريته) قال: لأحتوينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: لأضلنهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (موفورا) قال: وافرا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) قال: صوته كل داع دعا إلى معصية الله (وأجلب عليهم بخيلك) قال: كل راكب في معصية الله (ورجلك) قال كل راجل في معصية الله (وشاركهم في الأموال) قال: كل مال في معصية الله (والأولاد) قال: كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال: كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: (الأموال) ما كانوا يحرمون من أنعامهم (والأولاد) أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال (الأموال) البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله (والأولاد) سموا عبد الحارث وعبد شمس.
سورة الإسراء الآية (66)