الآيات فهو الوارث الذي يرث من الجنة ذلك المكان، وفيه استعارة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم. وقيل المعنى:
أنهم يرثون من الكفار منازلهم حيث فرقوها على أنفسهم، لأنه سبحانه خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار. ولفظ الفردوس لغة رومية معربة، وقيل فارسية، وقيل حبشية، وقيل هي عربية، وجملة (هم فيها خالدون) في محل نصب على الحال المقدرة، أو مستأنفة لا محل لها، ومعنى الخلود أنهم يدومون فيها لا يخرجون منها ولا يموتون فيها، وتأنيث الضمير مع أنه راجع إلى الفردوس لأنه بمعنى الجنة.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن المنذر، والعقيلي والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب قال: " كان إذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأنزل الله عليه يوما فمكثنا ساعة، فسرى عنه فاستقبل القبلة فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، ثم قال:
لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) حتى ختم العشر " وفى إسناده يونس ابن سليم الإيلي. قال النسائي: لا نعرف أحدا رواه عن ابن شهاب إلا يونس بن سليم ويونس لا نعرفه. وأخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن يزيد بن بابنوس قال: قلنا لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين؟ اقرأ قد أفلح المؤمنون حتى بلغ العشر، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله الله عليه وآله وسلم. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن البيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت (الذين هم في صلاتهم خاشعون).
وأخرجه عبد الرزاق عنه، وزاد: فأمره بالخشوع فرمى ببصره نحو مسجده. وأخرجه عنه أيضا عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن بلفظ: كان إذا قام في الصلاة نظر هكذا.
وهكذا، يمينا وشمالا، فنزلت (الذين هم في صلاتهم خاشعون) فحنى رأسه. وروى عنه من طرق مرسلا هكذا وأخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت (الذين هم في صلاتهم خاشعون) فطأطأ رأسه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفعون رؤوسهم وأبصارهم إلى السماء في الصلاة يلتفتون يمينا وشمالا، فأنزل الله (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فمالوا برءوسهم فلم يرفعوا أبصارهم بعد ذلك في الصلاة، ولم يلتفتوا يمينا وشمالا. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي أنه سئل عن قوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال: الخشوع في القلب وأن تلين كتفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال: خائفون ساكنون. وقد ورد في مشروعية الخشوع في الصلاة والنهي عن الالتفات وعن رفع البصر إلى السماء أحاديث معروفة في كتب الحديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (والذين هم عن اللغو معرضون) قال: الباطل. وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد: أنه سئل عن المتعة فقال: إني لأرى تحريمها في القرآن، ثم تلا (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم). وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن