لا يستخفنك ولا يغلبنك على دينك. وقرأ الباقون " ينازعنك " من المنازعة (وادع إلى ربك) أي وادع هؤلاء المنازعين أو ادع الناس على العموم إلى دين الله وتوحيده والإيمان به (إنك لعلى هدى مستقيم) أي طريق مستقيم لا اعوجاج فيه (وإن جادلوك) أي وإن أبوا إلا الجدال بعد البيان لهم وظهور الحجة عليهم (فقل الله أعلم بما تعملون) أي فكل أمرهم إلى الله وقل لهم هذا القول المشتمل على الوعيد (الله يحكم بينكم) أي بين المسلمين والكافرين (يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) من أمر الدين فيتبين حينئذ الحق من الباطل، وفى هذه الآية تعليم لهذه الأمة بما ينبغي لهم أن يجيبوا به من أراد الجدال بالباطل، وقيل إنها منسوخة بآية السيف، وجملة (ألم تعلم) مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها، والاستفهام للتقرير: أي قد علمت يا محمد وتيقنت (أن الله يعلم ما في السماوات والأرض) ومن جملة ذلك ما أنتم فيه مختلفون (إن ذلك) الذي في السماء والأرض من معلوماته (في كتاب) أي مكتوب عنده في أم الكتاب (إن ذلك على الله يسير) أي إن الحكم منه سبحانه بين عباده فيما يختلفون فيه يسير عليه غير عسير، أو إن إحاطة علمه بما في السماء والأرض يسير عليه (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا) هذا حكاية لبعض فضائحهم: أي إنهم يعبدون أصناما لم يتمسكوا في عبادتها بحجة نيرة من الله سبحانه (وما ليس لهم به علم) من دليل عقل يدل على جواز ذلك بوجه من الوجوه (وما للظالمين من نصير) ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله، وقد تقدم الكلام على هذه الآية في آل عمران، وجملة (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) معطوفة على يعبدون، وانتصاب بينات على الحال: أي حال كونها واضحات ظاهرات الدلالة (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) أي الأمر الذي ينكر، وهو غضبهم وعبوسهم عند سماعها، أو المراد بالمنكر الإنكار: أي تعرف في وجوههم إنكارها:
وقيل هو التجبر والترفع، وجملة (يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما ذلك المنكر الذي يعرف في وجوههم؟ فقيل يكادون يسطون: أي يبطشون، والسطوة شدة البطش، يقال سطا به يسطو إذا بطش به بضرب، أو شتم، أو أخذ باليد، وأصل السطو القهر.
وهكذا ترى أهل البدع المضلة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز، أو من السنة الصحيحة مخالفا لما اعتقده من الباطل والضلالة رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين، وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف، والله ناصر الحق ومظهر الدين وداحض الباطل ودامغ البدع وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم المبينين للناس ما نزل إليهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ثم أمر رسوله أن يرد عليهم، فقال (قل أفأنبئكم) أي أخبركم (بشر من ذلكم) الذي فيكم من الغيظ على من يتلو عليكم آيات الله ومقاربتكم للوثوب عليهم، وهو النار التي أعدها الله لكم، فالنار مرتفعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما هذا الأمر الذي هو شر مما نكابده ونناهده عند سماعنا ما تتلوه علينا، فقال هو (النار وعدها الله الذين كفروا) وقيل إن النار مبتدأ وخبره جملة وعدها الله الذين كفروا، وقيل المعنى: أفأخبركم بشر مما يلحق تالي القرآن منكم من الأذى والتوعد لهم والتوثب عليهم، وقرئ النار بالنصب على تقدير أعني، وقرئ بالجر بدلا من شر (وبئس المصير) أي الموضع الذي تصيرون إليه، وهو النار.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (هم ناسكوه) قال: يعني هم ذابحوه (فلا ينازعنك في الأمر) يعني في أمر الذبح. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه أيضا. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال (فلا ينازعنك في الأمر) قول أهل الشرك: أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلوه، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس