لإيمان به (فتخبت له قلوبهم) أي تخشع وتسكن وتنقاد، فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن (وإن الله لهاد الذين آمنوا) في أمور دينهم (إلى صراط مستقيم) أي طريق صحيح لا عوج به. وقرأ أبو حيوة " وإن الله لهاد الذين آمنوا " بالتنوين " ولا يزال الذين كفروا في مرية منه " أي في شك من القرآن، وقيل في الدين الذي يدل عليه ذكر الصراط المستقيم، وقيل في إلقاء الشيطان، فيقولون: ما باله ذكر الأصنام بخير ثم رجع عن ذلك؟ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " في مرية " بضم الميم (حتى تأتيهم الساعة) أي القيامة (بغتة) أي فجأة (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) وهو يوم القيامة لأنه لا يوم بعده، فكان بهذا الاعتبار عقيما، والعقيم في اللغة من لا يكون له ولد، ولما كانت الأيام تتوالى جعل ذلك كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقم، وقيل يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر، وقيل إن اليوم وصف بالعقم، لأنه لا رأفة فيه ولا وحمة، فكأنه عقيم من الخير، ومنه قوله تعالى - فأرسلنا عليهم الريح العقيم - أي التي لا خير فيها ولا تأتي بمطر (الملك يومئذ لله) أي السلطان القاهر والاستيلاء التام: يوم القيامة لله سبحانه وحده لا منازع له فيه ولا مدافع له عنه، وجملة (يحكم بينهم) مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر، ثم فسر هذا الحكم بقوله سبحانه (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) أي كائنون فيها مستقرون في أرضها منغمسون في نعيمها (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) أي جمعوا بين الكفر بالله والتكذيب بآياته (فأولئك لهم عذاب مهين) أي عذاب متصف بأنه مهين للمعذبين بالغ منهم المبلغ العظيم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرا (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مثله، وزاد فنسخت محدث، قال: والمحدثون: صاحب يس، ولقمان، ومؤمن آل فرعون، وصاحب موسى. وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة. قال السيوطي بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ " أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجي. ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاءه جبريل فقال: اقرأ علي ما جئت به، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجي، فقال: ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان، فأنزل الله (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى) الآية ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، قال السيوطي بسند صحيح عن سعيد بن جبير، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة النجم، فذكر نحوه، ولم يذكر ابن عباس. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والسدي عن سعيد مرسلا. ورواه عبد بن حميد عن السدى عن أبي صالح مرسلا. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن شهاب مرسلا. وأخرج ابن جرير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه مرسلا أيضا. والحاصل أن جميع الروايات في هذا الباب إما مرسلة أو منقطعة لا تقوم الحجة بشئ منها. وقد أسلفنا عن الحفاظ في أول هذا البحث ما فيه كفاية، وفى الباب روايات من أحب الوقوف على جميعها فلينظرها في الدر المنثور للسيوطي، ولا يأتي التطويل بذكرها هنا بفائدة، فقد عرفناك أنها جميعها لا تقوم بها الحجة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (حتى إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) يقول إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: يعنى بالتمني التلاوة والقراءة، ألقى الشيطان في أمنيته: في تلاوته (فينسخ الله) ينسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبي. وأخرج