مبتدأ، والمراد بالديار مكة (إلا أن يقولوا ربنا الله) قال سيبويه: هو استثناء منقطع: أي لكن لقولهم، ربنا الله:
أي أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم ربنا الله. وقال الفراء والزجاج: هو استثناء متصل، والتقدير الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا لله، فيكون مثل قوله سبحانه - وما تنقمون منا الا أن آمنا - وقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (ولولا دفاع الله الناس) قرأ نافع " ولولا دفاع " وقرأ الباقون " ولولا دفع " والمعنى: لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك، وذهبت مواضع العبادة من الأرض، ومعنى (لهدمت) لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل، فالصوامع: هي صوامع الرهبان، وقيل صوامع الصابئين، والبيع: جمع بيعة، وهى كنيسة النصارى، والصلوات هي كنائس اليهود، واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت، والمساجد هي مساجد المسلمين. وقيل المعنى: لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس، وفى زمن عيسى الصوامع والبيع، وفى زمن محمد المساجد. قال ابن عطية: هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية. وقيل المعنى: ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة، وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار، وقيل غير ذلك، والصوامع: جمع صومعة، وهى بناء مرتفع، يقال صمع الثريدة: إذا رفع رأسها، ورجل أصمع القلب: أي حاد الفطنة، والأصمع من الرجال: الحديد القول، وقيل الصغير الأذن. ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام.
وقد ذكر ابن عطية في صلوات تسع قراءات، ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجودا. والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره، وقيل المراد به المعنى المجازى، وهو تعطلها من العبادة، وقرئ " لهدمت " بالتشديد، وانتصاب كثيرا في قوله (يذكر فيها اسم الله كثيرا) على أنه صفة لمصدر محذوف: أي ذكرا كثيرا، أو وقتا كثيرا، والجملة صفة للمساجد، وقيل لجميع المذكورات (ولينصرن الله من ينصره) اللام هي جواب لقسم محذوف: أي والله لينصر الله من ينصره، والمراد بمن ينصر الله من ينصر دينه وأولياءه، والقوي القادر على الشئ، والعزيز الجليل الشريف قاله الزجاج، وقيل الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع، والموصول في قوله (الذين إن مكناهم في الأرض) في موضع نصب صفة لمن في قوله من ينصره قاله الزجاج: وقال غيره هو في موضع جر صفة لقوله للذين يقاتلون. وقيل المراد بهم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان، وقيل أهل الصلوات الخمس، وقيل ولاة العدل، وقيل غير ذلك، وفيه إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكنه الله في الأرض وأقدره على القيام بذلك.
وقد تقدم تفسير الآية، ومعنى (ولله عاقبة الأمور) أن مرجعها إلى حكمه وتدبيره دون غيره.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال:
لما أخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم - إنا لله وإنا إليه راجعون - ليهلكن القوم، فنزلت (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) الآية. قال ابن عباس: وهى أول آية نزلت في القتال. قال الترمذي: حسن، وقد رواه غير واحد عن الثوري، وليس فيه ابن عباس انتهى. وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال (الذين أخرجوا من ديارهم) أي من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه