الأعيان، وقد تكلف لذلك صاحب الكشاف في هذا الموضع بما عنه غنى، وفى غيره سعة (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له) أي يوم نسف الجبال يتبع الناس داعي الله إلى المحشر. وقال الفراء: يعني صوت الحشر، وقيل الداعي هو إسرافيل إذا نفخ في الصور لا عوج له: أي لا معدل لهم عن دعائه فلا يقدرون على أن يزيغوا عنه، أو ينحرفوا منه بل يسرعون إليه كذا قال أكثر المفسرين، وقيل لا عوج لدعائه (وخشعت الأصوات للرحمن) أي خضعت لهيبته، وقيل ذلت، وقيل سكتت، ومنه قول الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع (فلا تسمع إلا همسا) الهمس الصوت الخفي. قال أكثر المفسرين: هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر، ومنه قول الشاعر: * وهن يمشين بنا هميسا * يعني صوت أخفاف الإبل.
وقال رؤبة يصف نفسه: ليث يدق الأسد الهموسا * ولا يهاب الفيل والجاموسا يقال للأسد الهموس، لأنه يهمس في الظلمة: أي يطأ وطئا خفيا. والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفي سواء كان بالقدم، أو من الفم، أو غير ذلك، ويؤيده قراءة أبي بن " كعب " فلا ينطقون إلا همسا " (يومئذ لا تنفع الشفاعة) أي يوم يقع ما ذكر لا تنفع الشفاعة من شافع كائنا من كان (إلا من أذن له الرحمن) أي إلا شفاعة من أذن له الرحمن أن يشفع له (ورضى له قولا) أي رضى قوله في الشفاعة أو رضى لأجله قول الشافع. والمعنى:
إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له، وكان له قول يرضى، ومثل هذه الآية قوله - لا يشفعون إلا لمن ارتضى -، وقوله - لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا -، وقوله - فما تنفعهم شفاعة الشافعين - (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي ما بين أيديهم من أمر الساعة، وما خلفهم من أمر الدنيا، والمراد هنا جميع الخلق، وقيل المراد بهم الذين يتبعون الداعي، وقال ابن جرير: الضمير يرجع إلى الملائكة، أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها (ولا يحيطون به علما) أي بالله سبحانه، لا تحيط علومهم بذاته، ولا بصفاته، ولا بمعلوماته، وقيل الضمير راجع إلى ما في الموضعين فإنهم لا يعلمون جميع ذلك (وعنت الوجوه للحي القيوم) أي ذلت وخضعت، قاله ابن الأعرابي. قال الزجاج: معنى عنت في اللغة خضعت، يقال عنى يعنو عنوا إذا خضع ومنه قيل للأسير: عان، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
مليك على عرش السماء مهيمن * لعزته تعنو الوجوه وتسجد وقيل هو من العناء، بمعنى التعب (وقد خاب من حمل ظلما) أي خسر من حمل شيئا من الظلم، وقيل هو الشرك (ومن يعمل من الصالحات) أي الأعمال الصالحة (وهو مؤمن) بالله، لأن العمل لا يقبل من غير إيمان، بل هو شرط في القبول (فلا يخاف ظلما) يصاب به من نقص ثواب في الآخرة (ولا هضما) الهضم النقص والكسر يقال هضمت لك من حقي: أي حططته وتركته، وهذا يهضم الطعام: أي ينقص ثقله، وامرأة هضيم الكشح:
أي ضامرة البطن، وقرأ ابن كثير ومجاهد لا يخف بالجزم جوابا لقوله: " ومن يعمل من الصالحات " وقرأ الباقون " يخاف " على الخبر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلا أتاه، فقال رأيت قوله (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) وأخرى عميا قال: إن يوم القيامة فيه حالات يكونون في حال زرقا، وفى حال عميا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (يتخافتون بينهم) قال يتساررون. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في قوله (أمثلهم طريقة) قال: أوفاهم عقلا، وفى لفظ قال: أعلمهم في نفسه. وأخرج ابن المنذر وابن جريج قال: قالت قريش كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت (ويسألونك عن الجبال) الآية.