وقيل المراد العمى عن الحجة، وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدى إلى شئ منها، وقد قيل إن المراد بالمعيشة الضنكى عذاب القبر، وسيأتي ما يرجح هذا ويقويه (قال ربى لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) في الدنيا (قال كذلك) أي مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسره بقوله (أتتك آياتنا فنسيتها) أي أعرضت عنها، وتركتها، ولم تنظر فيها (وكذلك اليوم تنسى) أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا تنسى، أي تترك في العمى والعذاب في النار، قال الفراء: يقال إنه يخرج بصيرا من قبره فيعمى في حشره (وكذلك نجزى من أسرف) أي مثل ذلك الجزاء نجزيه: والإسراف الانهماك في الشهوات، وقيل الشرك (ولم يؤمن بآيات ربه) بل كذب بها (ولعذاب الآخرة أشد) أي أفظع من المعيشة الضنكى (وأبقى) أي أدوم وأثبت لأنه لا ينقطع.
وقد أخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة في الدنيا، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة " وذلك أن الله يقول (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال:
أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة، ثم قرأ (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) قال:
لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا في قوله (معيشة ضنكا) قال: عذاب القبر. ولفظ عبد الرزاق قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. ولفظ ابن أبي حاتم قال: ضمة القبر. وفى إسناده ابن لهيعة، وفيه مقال معروف وقد روى موقوفا. قال ابن كثير:
الموقوف أصح. وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (فإن له معيشة ضنكا) قال: المعيشة الضنكى أن يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة ". وأخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه بأطول منه. قال ابن كثير: رفعه منكر جدا. وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (فإن له معيشة ضنكا) قال: عذاب القبر. قال ابن كثير بعد إخراجه: إسناد جيد. وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله (فإن له معيشة ضنكا) قال: عذاب القبر، ومجموع ما ذكرنا هنا يرجح تفسير المعيشة الضنكى بعذاب القبر. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن ابن مسعود أنه فسر المعيشة الضنكى بالشقاء. وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله (ونحشره يوم القيامة أعمى) قال: عمى عليه كل شئ إلا جهنم، وفى لفظ: لا يبصر إلا النار. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله (وكذلك نجزى من أسرف) قال: من أشرك بالله.
سورة طه الآية (128 - 129)