جهات وجب أن يبنى، وإذا اعتل من جهتين وجب أن لا ينصرف، لأنه ليس بعد الصرف إلا البناء، فمساس دراك اعتل من ثلاث جهات: منها أنه معدول، ومنها أنه مؤنث، ومنها أنه معرفة، فلما وجب البناء فيه وكانت الألف قبل السين ساكنة كسرت السين لالتقاء الساكنين. وقد رأيت أبا إسحاق يعني الزجاج ذهب إلى أن هذا القول خطأ وألزم أبا العباس إذا سميت امرأة بفرعون أن يبنيه وهذا لا يقوله أحد. وقد قرأ بفتح الميم أبو حياة والباقون بكسرها. وحاصل ما قيل في معنى لا مساس ثلاثة أوجه: الأول أنه حرم عليه مماسة الناس، وكان إذا ماسه أحد حم الماس والممسوس، فلذلك كان يصيح إذا رأى أحدا لا مساس. والثاني أن المراد منع الناس من مخالطته، واعترض بأن الرجل إذا صار مهجورا فلا يقول هو لا مساس، وإنما يقال له، وأجيب بأن المراد الحكاية: أي أجعلك يا سامري بحيث إذا أخبرت عن حالك قلت لا مساس. والقول الثالث أن المراد انقطاع نسله، وأن يخبر بأنه لا يتمكن من مماسة المرأة قاله أبو مسلم وهو ضعيف جدا. ثم ذكر حاله في الآخرة فقال (وإن لك موعدا لن تخلفه) أي لن يخلفك الله ذلك الموعد، وهو يوم القيامة، والموعد مصدر: أي إن لك وعدا لعذابك، وهو كائن لا محالة قال الزجاج: أي يكافئك الله على ما فعلت في القيامة والله لا يخلف الميعاد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن لن تخلفه بكسر اللام، وله على هذه القراءة معنيان: أحدهما ستأتيه ولن تجده مخلفا كما تقول أحمدته: أي وجدته محمودا. والثاني على التهديد: أي لا بد لك من أن تصير إليه. وقرأ ابن مسعود " لن نخلفه " بالنون: أي لن يخلفه الله. وقرأ الباقون بفتح اللام، وبالفوقية مبنيا للمفعول، معناه ما قدمناه (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) ظلت أصله ظللت فحذفت اللام الأولى تخفيفا، والعرب تفعل ذلك كثير. وقرأ الأعمش بلامين على الأصل. وفى قراءة ابن مسعود " ظلت " بكسر الظاء. والمعنى: انظر إلى إلهك الذي دمت وأقمت على عبادته، والعاكف الملازم (لنحرقنه) قرأ الجمهور بضم النون وتشديد الراء من حرقه يحرقه. وقرأ الحسن بضم النون وسكون الحاء وتخفيف الراء من أحرقه يحرقه. وقرأ علي وابن عباس وأبو جعفر وابن محيصن وأشهب والعقيلي " لنحرقنه " بفتح النون وضم الراء مخففة من حرقت الشئ أحرقه حرقا إذا بردته وحككت بعضه ببعض: أي لنبردنه بالمبارد، ويقال للمبرد المحرق. والقراءة الأولى أولى، ومعناها الإحراق بالنار، وكذا معنى القراءة الثانية، وقد جمع بين هذه الثلاث القراءات بأنه أحرق، ثم برد بالمبرد، وفى قراءة ابن مسعود " لنذبحنه " ثم لنحرقنه، واللام هي الموطئة للقسم (ثم لننسفنه في اليم نسفا) النسف نفض الشئ ليذهب به الريح. قرأ أبو رجاء " لننسفنه " بضم السين، وقرأ الباقون بكسرها، وهما لغتان. والمنسف ما ينسف به الطعام، وهو شئ منصوب الصدر أعلاه مرتفع، والنسافة ما يسقط منه (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو) لا هذا العجل الذي فتنتم به السامري (وسع كل شئ علما) قرأ الجمهور وسع بكسر السين مخففة. وهو معتد إلى مفعول واحد، وهو كل شئ، وانتصاب علما على التمييز المحول عن الفاعل: أي وسع علمه كل شئ. وقرأ مجاهد وقتادة وسع بتشديد السين وفتحها فيتعدى إلى مفعولين، ويكون انتصاب علما على أنه المفعول الأول وإن كان متأخرا، لأنه في الأصل فاعل، والتقدير: وسع علمه كل شئ، وقد مر نحو هذا في الأعراف (كذلك نقص عليك) الكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أي كما قصصنا عليك خبر موسى كذلك نقص عليك (من أنباء ما قد سبق) أي من أخبار الحوادث الماضية في الأمم الخالية لتكون تسلية لك ودلالة على صدقك، ومن للتبعيض: أي بعض أخبار ذلك (وقد آتيناك من لدنا ذكرا) المراد بالذكر القرآن، وسمى ذكرا لما فيه من الموجبات للتذكر والاعتبار، وقيل المراد بالذكر الشرف كقوله - وإنه لذكر لك ولقومك - ثم توعد سبحانه المعرضين على هذا الذكر فقال
(٣٨٤)