من تحتها جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها. وقد اختلفت الروايات عن السلف، هل هذا المنادى هو جبريل أو عيسى. وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال: قرأ عاصم بن أبي النجود (فناداها من تحتها) بالنصب، قال: وقال عاصم من قرأ بالنصب فهو عيسى، ومن قرأ بالخفض فهو جبريل. وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن السرى الذي قال الله لمريم (قد جعل ربك تحتك سريا) نهر أخرجه الله لها لتشرب منه. وفى إسناده أيوب بن نهيك الجبلي قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو فتح الأزدي: متروك الحديث، وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث: إنه غريب جدا. وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (قد جعل ربك تحتك سريا) قال: النهر: وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والحاكم وابن مردويه عن البراء قال في الآية:
هو الجدول، وهو النهر الصغير، فظهر بهذا أن الموقوف أصح. وقد روى عن جماعة من التابعين أن السرى هو عيسى، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (رطبا جنيا) قال: طريا. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه في قوله (إني نذرت للرحمن صوما) قال: صمتا. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ " صوما صمتا " سورة مريم الآية (27 - 33) لما اطمأنت مريم عليها السلام بما رأت من الآيات وفرغت من نفاسها (أتت به) أي بعيسى، وجملة (تحمله) في محل نصب على الحال. وكان إتيانها إليهم من المكان القصي التي انتبذت فيه، فلما رأوا الولد معها حزنوا، وكانوا أهل بيت صالحين (فقالوا) منكرين لذلك (يا مريم لقد جئت) أي فعلت (شيئا فريا) قال أبو عبيدة:
الفري العجيب النادر. وكذا قال الأخفش. والفري القطع، كأنه مما يخرق العادة، أو يقطع بكونه عجيبا نادرا.
وقال قطرب: الفري الجديد من الأسقية: أي جئت بأمر بديع جديد لم تسبقي إليه. وقال سعيد بن مسعدة:
الفري المختلق المفتعل. يقال فريت وأفريت بمعنى واحد، والولد من الزنا كالشئ المفتري، قال تعالى - ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن - وقال مجاهد: الفري العظيم (يا أخت هارون).
قد وقع الخلاف في معنى هذه الأخوة، وفى هارون المذكور من هو؟ فقيل هو هارون أخو موسى، والمعنى: أن من كانت نظنها مثل هارون في العبادة كيف تأتي بمثل هذا، وقيل كانت مريم من ولد هارون أخي موسى، فقيل لها يا أخت هارون، كما يقال لمن كان من العرب: يا أخا العرب، وقيل كان لها أخ من أبيها اسمه هارون، وقيل هارون هذا رجل صالح في ذلك الوقت، وقيل بل كان في ذلك الوقت رجل فاجر اسمه هارون،