فذلك قوله (إني عبد الله آتاني الكتاب). وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله (آتاني الكتاب) الآية، قال: قضى أن أكون كذلك. وأخرج الإسماعيلي في معجمه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه وابن النجار عن أبي هريرة قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قول عيسى (وجعلني مباركا أين ما كنت) قال: جعلني نفاعا للناس أينما اتجهت ". وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (وجعلني مباركا) قال: معلما ومؤدبا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولم يجعلني جبارا شقيا) يقول: عصيا.
سورة مريم الآية (34 - 40) الإشارة بقوله (ذلك) إلى المتصف بالأوصاف السابقة. قال الزجاج: ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم، لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إله. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (قول الحق) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع. فوجه القراءة الأولى أنه منتصب على المدح، أو على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله قاله الزجاج. ووجه القراءة الثانية أنه نعت لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم قول الحق، قاله الكسائي. وسمى قول الحق كما سمى كلمة الله، والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق، وقيل التقدير: هذا لكلام قول الحق، وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين، وقيل الإضافة للبيان، وقرئ قال الحق " وروى ذلك عن ابن مسعود، وقرأ الحسن " قول الحق " بضم القاف، والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد. و (الذي فيه يمترون) صفة لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون قول الحق، ومعنى يمترون يختلفون على أنه من المماراة، أو يشكو على أنه من المرية. وقد وقع الاختلاف في عيسى، فقالت اليهود هو ساحر، وقالت النصارى هو ابن الله (ما كان لله أن يتخذ من ولد) أي ما صح ولا استقام ذلك، فأن في محل رفع على أنها اسم كان. قال الزجاج: من في " من ولد " مؤكدة تدل على نفى الواحد والجماعة، ثم نزه سبحانه نفسه فقال (سبحانه) أي تنزه وتقدس عن مقالتهم هذه، ثم صرح سبحانه بما هو شأنه - تعالى سلطانه - فقال (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أي إذا قضى أمرا من الأمور فيكون حينئذ بلا تأخير. وقد سبق الكلام على هذا مستوفى في البقرة. وفى إيراده في هذا الموضع تبكيت عظيم للنصارى: أي من كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟ (وأن الله ربى وربكم فاعبدوه) قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح أن.
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها، وهو من تمام كلام عيسى، وقرأ أبى " إن الله " بغير واو، قال الخليل