قد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله، وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرق الخلف إليه (ثم ننجي الذين اتقوا) أي اتقوا ما يوجب النار، وهو الكفر بالله ومعاصيه، وترك ما شرعه، وأوجب العمل به. قرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة " ننجي " بالتخفيف من أنجى، وبها قرأ حميد ويعقوب والكسائي، وقرأ الباقون بالتشديد، وقرأ ابن أبي ليلى (ثم نذر) بفتح الثاء من ثم، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب النار، أو ظلموا غيرهم بمظلمة في النفس أو المال أو العرض، والجثى جمع جاث، وقد تقدم قريبا تفسير الجثى وإعرابه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك) إلى آخر الآية " وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وكان ذلك الجواب لمحمد. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي البقاع أحب إلى الله، وأيها أبغض إلى الله؟ قال: ما أدري حتى أسأل، فنزل جبريل، وكان قد أبطأ عليه، فقال: لقد أبطأت علي حتى ظننت أن بربي على موجدة، فقال: وما نتنزل إلا بأمر ربك ".
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: " أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوما ثم نزل، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما نزلت حتى اشتقت إليك، فقال له جبريل: أنا كنت إليك أشوق، ولكني مأمور، فأوحى الله إلى جبريل أن قل له (وما نتنزل إلا بأمر ربك) " وهو مرسل. وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أبطأت الرسل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتاه جبريل فقال: " له ما حبسك عنى؟ قال: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون؟ وقرأ (وما نتنزل إلا بأمر ربك) " وهو مرسل أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (له ما بين أيدينا) قال من أمر الآخرة (وما خلفنا) قال: من أمر الدنيا (وما بين ذلك) قال: ما بين الدنيا والآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة (وما بين ذلك) قال: ما بين النفختين. وأخرج ابن المنذر عن أبي العالية مثله. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي الدرداء رفع الحديث قال: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا. ثم تلا (وما كان ربك نسيا) وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله (هل تعلم له سميا) قال: هل تعرف للرب شبها أو مثلا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم و صححه والبيهقي في الشعب عنه (هل تعلم سميا)؟ قال: ليس أحد يسمى الرحمن غيره، وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال: يا محمد هل تعلم لإلاهك من ولد؟ وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (ويقول الإنسان) قال: العاص بن وائل، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (جثيا) قال: قعودا، وفى قوله (عتيا) قال: معصية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله (عتيا) قال: عصيا. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (ثم لننزعن) قال: لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: نحشر الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعا، ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما، ثم قرأ (فوربك لنحشرنهم) إلى قوله (عتيا). وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) قال: يقول إنهم أولى بالخلود في جهنم. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم والترمذي وابن المنذر