أي قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان، وفراق الخلان والأخدان (إذ قاموا) الظرف منصوب بربطنا.
واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال: فقيل إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئا، إن ربي رب السماوات والأرض، فقالوا: ونحن أيضا كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعا (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) قاله مجاهد. وقال أكثر المفسرين: إنه كان لهم ملك جبار يقال له دقيانوس، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) وقال عطاء ومقاتل إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم (لن ندعوا من دونه إلها) أي لن نعبد معبودا آخر غير الله لا اشتراكا ولا استقلالا (لقد قلنا إذا شططا) أي قولا ذا شطط، أو قولا هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر، واللام هي الموطئة للقسم، والشطط الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بن قيس:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) هؤلاء مبتدأ، وخبره اتخذوا، وقومنا عطف بيان، وفى هذا الإخبار معنى للإنكار، وفى الإشارة إليهم تحقير لهم (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) أي هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) فزعم أن له شريكا في العبادة: أي لا أحد أظلم منه (وإذا اعتزلتموهم) أي فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبا: أي عن العابدين للأصنام، وقوله (وما يعبدون إلا الله) معطوف على الضمير المنصوب، وما موصولة أو مصدرية: أي وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذي يعبدونه، وقوله (إلا الله) استثناء منقطع على تقدير أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام، أو متصل على تقدير أنهم شركوها في العبادة مع الله سبحانه وقيل هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية (فأووا إلى الكهف) أي صيروا إليه واجعلوه مأواكم. قال الفراء: هو جواب إذ، ومعناه: اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم، وقيل هو دليل على جوابه، أي إذ اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا، فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف (ينشر لكم ربكم من رحمته) أي يبسط ويوسع (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا) أي يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده (مرفقا) المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرئ بهما، مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع، وقيل فتح الميم أقيس، وكسرها أكثر. قال الفراء: وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان، وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر، والمرفق من الإنسان. وقال الكسائي: الكسر في مرفق اليد، وقيل المرفق بالكسر ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح الأمر الرافق، والمراد هنا ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله، والتقديم في الموضعين يفيد الاختصاص.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الرقيم الكتاب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه قال: الرقيم واد دون فلسطين قريب من أيلة، والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضا قال: هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال: والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان؟ وفى رواية عنه من طريق أخرى قال: وسألت كعبا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: الرقيم الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (كانوا من آياتنا عجبا) يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (فضربنا على آذانهم) يقول: أرقدناهم (ثم بعثناهم