ذكر: أي صاروا إليه وجعلوه مأواهم، والفتية هم أصحاب الكهف، والكهف هو الغار الواسع في الجبل. فإن كان صغيرا سمي غارا، والرقيم قال كعب والسدي: إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. قال الفراء: ويروي أنه إنما سمي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه. والرقم الكتابة. وروى مثل ذلك عن ابن عباس. ومنه قول العجاج في أرجوزة له * ومستقري إلا المصحف الرقيم * وقيل إن الرقيم اسم كلبهم، وقيل هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل اسم الجبل الذي فيه الغار. قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السماوات والأرض وما بنهما أعجب من قصة أصحاب الكهف (فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة) أي من عندك، ومن ابتدائية متعلقة آتنا، أو لمحذوف وقع حالا، والتنوين في رحمة إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم من لدنك للاختصاص: أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهى المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا (وهيئ لنا من أمرنا شدا) أي أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، الرشد نقيض الضلال، ومن للابتداء. ويجوز أن تكون للتجريد. كما في قولك رأيت منك رشدا: وتقديم لمجرورين للاهتمام بهما (فضربنا على آذانهم) قال المفسرون: أنمناهم. والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات، والمفعول محذوف: أي ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيها للإنامة الثقيلة المانعة من وصول لأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و (في الكهف) ظرف لضربنا، وانتصاب (سنين) على الظرفية، (عددا) صفة لسنين: أي ذوات عدد على أنه مصدر أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من صف السنين بالعدد الكثرة. قال الزجاج: إن الشئ إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر يحتاج إلى أن يعد وقيل يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله - وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون - ثم بعثناهم) أي أيقظناهم من تلك النومة (لنعلم) أي ليظهر معلومنا، وقرئ بالتحتية مبنيا للفاعل على طريقة لالتفات، و (أي الحزبين) مبتدأ معلق عنه العلم لما في أي من الاستفهام، وخبره (أحصى) وهو فعل ماض، قيل والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو الاختبار مجازا فيكون المعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم، الأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده، والمراد بالحزبين الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم. ومعنى أحصى أضبط. وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه، وما في (لما لبثوا) مصدرية: أي حصى للبثهم، وقيل اللام زائدة، وما بمعنى الذي، و (أمدا) تمييز، والأمد الغاية، وقيل إن أحصى أفعل تفضيل. ورد بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم: أفلس من ابن لمذلق، وأعدى من الجرب. وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور، وقيل إن الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا، وقيل إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب.
وقال الفراء: إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله (إذ أوى الفتية) أي نحن نخبرك بخبرهم بالحق أي قصصناه بالحق، أو متلبسا بالحق (إنهم فتية) أي أحداث شبان، و (آمنوا بربهم) صفة لفتية والجملة مستأنفة بتقدير سؤال، والفتية جمع قلة، و (زدناهم هدى) بالتثبيت والتوفيق، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب (وربطنا على قلوبهم)