ولدا، ثم وصف الكلمة بقوله (تخرج من أفواههم) وفائدة هذا الوصف استعظام اجترائهم على التفوه بها، والخارج من الفم وإن كان هو مجرد الهوى، لكن لما كانت الحروف والأصوات كيفيات قائمة بالهوى أسند إلى الحال ما هو من شأن المحل. ثم زاد في تقبيح ما وقع منهم فقال (إن يقولون إلا كذبا) أي ما يقولون إلا كذبا لا مجال للصدق فيه بحال. ثم سلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) قال الأخفش والفراء: البخع الجهد. وقال الكسائي: بخعت الأرض بالزراعة إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها. وقال أبى عبيدة: معناه مهلك نفسك، ومنه قول ذي الرمة:
* ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه * فيكون المعنى على هذه الأقوال لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها (على آثارهم) على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) أي القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح أن: أي لأن لم يؤمنوا (أسفا) أي غيظا وحزنا وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال كذا قال الزجاج (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) هذه الجملة استئناف. والمعنى: إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد كقوله سبحانه - هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا - وانتصاب زينة على أنها مفعول ثان لجعل، واللام في (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) متعلقة بجعلنا، وهى إما للغرض أو للعاقبة، والمراد بالابتلاء أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الابتلاء والامتحان. وقال الزجاج أيهم رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى: لنمتحن أهذا أحسن عملا أم ذاك؟ قال الحسن: أيهم أزهد، وقال مقاتل: أيهم أصلح فيما أوتي من المال، ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) أي لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا صعيدا ترابا. قال أبو عبيدة: الصعيد المستوى من الأرض. وقال الزجاج: هو الطريق الذي لا نبات فيه قال الفراء: الجرز الأرض التي لا نبات فيها، ومن قولهم: امرأة جرزا إذا كانت أكولا، وسيفا جرازا إذا كان مستأصلا، وجرز الجراد والشاة والإبل الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمة:
طوى النحز والاجراز ما في بطونها * ومعنى النظم لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب فانا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيرا فخير، وأن شرا فشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) الآية قال: أنزل الكتاب عدلا قيما (ولم يجعل له عوجا) ملتبسا.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك (قيما) قال: مستقيما. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة (من لدنه) أي من عنده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى (حسنا) يعنى الجنة (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) قال: هم اليهود والنصارى وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية ابن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزنا شديدا، فأنزل الله سبحانه (فلعلك باخع نفسك). وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه (باخع نفسك) يقول: قاتل نفسك وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (أسفا) قال: جزعا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة (أسفا) قال: حزنا.