سورة الكهف الآية (22 - 26) قوله (وكذلك أعثرنا عليهم) أي وكما أنمناهم وبعثناهم، أعثرنا عليهم: أي أطلعنا الناس عليهم وسمى الإعلام إعثارا، لأن من كان غافلا عن شئ فعثر به نظر إليه وعرفه، فكان الإعثار سببا لحصول العلم (ليعلموا أن وعد الله حق) أي ليعلم الذين أعثرهم الله عليهم أن وعد الله بالبعث حق. قيل وكان ملك ذلك العصر ممن ينكر البعث، فأراه الله هذه الآية. قيل وسبب الإعثار عليهم أن ذلك الرجل الذي بعثوه بالورق، وكانت من ضربة دقيانوس إلى السوق، لما اطلع عليها أهل السوق اتهموه بأنه وجد كنزا، فذهبوا به إلى الملك، فقال له: من أين وجدت هذه الدراهم؟ قال: بعت بها أمس شيئا من التمر، فعرف الملك صدقه، ثم قص عليه القصة فركب الملك وركب أصحابه معه حتى وصلوا إلى الكهف (وأن الساعة لا ريب فيها) أي وليعلموا أن القيامة لا شك في حصولها، فإن من شاهد حال أهل الكهف علم صحة ما وعد الله به من البعث (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) الظرف متعلق بأعثرنا أي أعثرنا عليهم وقت التنازع والاختلاف بين أولئك الذين أعثرهم الله في أمر البعث، وقيل في أمر أصحاب الكهف في قدر مكثهم، وفى عددهم، وفيما يفعلونه بعد أن اطلعوا عليهم (فقالوا ابنوا عليهم بنيانا) لئلا يتطرق الناس إليهم. وذلك أن الملك وأصحابه لما وقفوا عليهم وهم أحياء أمات الله الفتية، فقال بعضهم: ابنوا عليهم بنيانا يسترهم عن أعين الناس، ثم قال سبحانه حاكيا لقول المتنازعين فيهم وفى عددهم، وفى مدة لبثهم، وفى نحو ذلك مما يتعلق بهم (ربهم أعلم بهم) من هؤلاء المتنازعين فيهم، قالوا ذلك تفويضا للعلم إلى الله سبحانه، وقيل هو من كلام الله سبحانه. ردا لقول المتنازعين فيهم: أي دعوا ما أنتم فيه من التنازع، فإني أعلم بهم منكم، وقيل إن الظرف في " إذ يتنازعون " متعلق بمحذوف هو أذكر، ويؤيده أن الإعثار ليس في زمن التنازع بل قبله، ويمكن أن يقال: إن أولئك القوم ما زالوا متنازعين فيما بينهم قرنا بعد قرن. منذ أووا إلى الكهف إلى وقت الإعثار، ويؤيد ذلك أن خبرهم كان مكتوبا على باب الغار، كتبه بعض المعاصرين لهم من المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم كما قاله المفسرون (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون، وقيل هم أهل السلطان، والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم، والأول أولى. قال الزجاج: هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور. لأن المساجد للمؤمنين (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) هؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة، هم المتنازعون في عددهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الكتاب والمسلمين، وقيل هم أهل الكتاب خاصة، وعلى كل تقدير فليس المراد أنهم جميعا قالوا جميع ذلك، بل قال بعضهم بكذا، وبعضهم بكذا، وبعضهم بكذا ثلاثة رابعهم كلبهم: أي هم ثلاثة أشخاص، وجملة رابعهم كلبهم في محل نصب على الحال:
(٢٧٧)