سورة إبراهيم الآية (51 - 52) (مخلف) منتصب على أنه مفعول تحسبن. وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده، قيل وذلك على الاتساع، والمعنى: مخلف رسله وعده. قال القتيبي: هو من المقدم الذي يوضحه التأخير، والمؤخر الذي يوضحه التقديم وسواء في ذلك مخلف وعده رسله ومخلف رسله وعده، ومثل ما في الآية قول الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه * وسائره باد إلى الشمس أجمع وقال الزمخشري: قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله - إن الله لا يخلف الميعاد - ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم سبحانه بقوله - إنا لننصر رسلنا - و - كتب الله لأغلبن أنا ورسلي - وقرئ " مخلف وعده رسله " بجر رسله ونصب وعده. قال الزمخشري: وهذه القراءة في الضعف كمن قرأ: قتل أولادهم شركائهم (إن الله عزيز) غالب لا يغالبه أحد (ذو انتقام) ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهي، وقد مر تفسيره في أول آل عمران (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال الزجاج: انتصاب يوم على البدل من يوم يأتيهم، أو على الظرف للانتقام انتهى، ويجوز أن ينتصب بمقدر يدل عليه الكلام: أي واذكر أو وارتقب، والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير، وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتما، والآية تحتمل الأمرين، وقد قيل المراد تغير صفاتها، وبه قال الأكثر، وقيل تغير ذاتها، ومعنى (والسماوات) أي وتبدل السماوات غير السماوات على الاختلاف الذي مر (وبرزوا لله الواحد القهار) أي برز العباد لله أو الظالمون كما يفيده السياق: أي ظهروا من قبورهم. أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه، والتعبير على المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه كما في قوله - ونفخ في الصور - والواحد القهار المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) معطوف على برزوا أو على تبدل، والمجئ بالمضارع لاستحضار الصورة، والمجرمون هم المشركون، ويومئذ يعنى يوم القيامة، و (مقرنين) أي مشدودين إما بجعل بعضهم مقرونا مع بعض، أو قرنوا مع الشياطين كما في قوله - نقيض له شيطانا فهو له قرين - أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم، والأصفاد: الأغلال، والقيود، والجار والمجرور متعلق بمقرنين أو حال من ضميره، يقال صفدته صفدا: أي قيدته، والاسم الصفد، فإذا أردت التكثير قلت صفدته. قال عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا * وأبنا بالملوك مصفدينا وقال حسان بن ثابت:
من بين مأسور يشد صفاده * صقر إذا لاقى الكريهة حامى ويقال صفدته وأصفدته: إذا أعطيته، ومنه قول النابغة: * ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد * (سرابيلهم من قطران) السرابيل: القمص، وأحدها سربال، ومنه قول كعب بن مالك:
تلقاكم عصب حول النبي لهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل والقطران: هو قطران الإبل الذي تهنأ به: أي قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء