العرب سننت الماء على الوجه: إذا صببته، والسن الصب. وقال سيبويه: المسنون المصور، مأخوذ من سنة الوجه، وهى صورته، ومنه قول ذي الرمة:
تريك سنة وجه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب وقال الأخفش: المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون: إذا كان فيه طول. والحاصل على هذه الأقوال أن التراب لما بل صار طينا، فلما أنتن صار حمأ مسنونا، فلما يئس صار صلصالا. فأصل الصلصال:
هو الحمأ المسنون، ولهذا وصف بهما (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) الجان أبو الجن عند جمهور المفسرين. وقال عطاء والحسن وقتادة ومقاتل: هو إبليس. وسمى جانا لتواريه عن الأعين. يقال: جن الشئ إذا ستره. فالجان يستر نفسه عن أعين بني آدم، ومعنى من قبل: من قبل خلق آدم، والسموم: الريح الحادة النافذة في المسام، تكون بالنهار وقد تكون بالليل، كذا قال أبو عبيدة، وذكر خلق الإنسان والجان في هذا الموضع للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وبيان أن القادر على النشأة الأولى قادر على النشأة الأخرى (وإذ قال ربك للملائكة) الظرف منصوب بفعل مقدر: أي أذكر، بين سبحانه بعد ذكره لخلق الإنسان ما وقع عند خلقه له وقد تقدم تفسير ذلك في البقرة، والبشر مأخوذ من البشرة، وهى ظاهر الجلد، وقد تقدم تفسير الصلصال والحمأ المسنون قريبا مستوفى (فإذا سويته) أي سويت خلقه وعدلت صورته الإنسانية وكملت أجزاءه (ونفخت فيه من روحي) النفخ: إجراء الريح في تجاويف جسم آخر، فمن قال إن الروح جسم لطيف كالهواء فمعناه ظاهر:
ومن قال: إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال في متحيز. فمعنى النفخ عنده تهيئة البدن لتعلق النفس الناطقة به. قال النيسابوري: ولا خلاف في أن الإضافة في روحي للتشريف والتكريم، مثل ناقة الله، وبيت الله. قال القرطبي: والروح: جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم. وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه اضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما، قال: ومثله - وروح منه -. وقد تقدم في النساء (فقعوا له ساجدين) الفاء تدل على أن سجودهم واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير تراخ، وهو أمر بالوقوع من وقع يقع. وفيه دليل على أن المأمور به هو السجود لا مجرد الانحناء كما قيل، وهذا السجود هو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء، وقيل كان السجود لله تعالى وكان آدم قبله لهم (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) أخبر سبحانه بأن الملائكة سجدوا جميعا عند أمر الله سبحانه لهم بذلك من غير تراخ، قال المبرد: قوله كلهم أزال احتمال أن بعض الملائكة لم يسجد، وقوله أجمعون توكيد بعد توكيد، ورجح هذا الزجاج. قال النيسابوري: وذلك لأن أجمع معرفة فلا يقع حالا ولو صح أن يكون حالا لكان منتصبا، ثم استثنى إبليس من الملائكة فقال (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) قيل هذا الاستثناء متصل لكونه كان من جنس الملائكة ولكنه أبى ذلك استكبارا واستعظاما لنفسه وحسدا لآدم فحقت عليه كلمة الله، وقيل إنه لم يكن من الملائكة ولكنه كان معهم فغلب اسم الملائكة عليه وأمر بما أمروا به، فكان الاستثناء بهذا الاعتبار متصلا، وقيل إن الاستثناء منفصل بناء على عدم كونه منهم، وعدم تغليبهم عليه: أي ولكن إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة، وجملة (أبى أن يكون مع الساجدين) استئناف مبين لكيفية ما فيهم من الاستثناء من عدم السجود، لأن عدم السجود قد يكون مع التردد فبين سبحانه أنه كان على وجه الإباء، وجملة (قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع الساجدين) مستأنفة أيضا جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الله سبحانه لإبليس بعد أن أبى السجود؟ وهذا الخطاب له ليس للتشريف والتكريم، بل للتقريع والتوبيخ. والمعنى: