كقولك حالي رجل على كتفه سيف، وقيل إن الجملة صفة لقرية، والواو لتأكيد اللصوق بين الصفة والموصوف (ما تسبق من أمة أجلها) أي ما تسبق أمة من الأمم أجلها المضروب لها المكتوب في اللوح المحفوظ، والمعنى: أنه لا يأتي هلاكها قبل مجئ أجلها (وما يستأخرون) أي وما يتأخرون عنه. فيكون مجئ هلاكهم بعد مضى الأجل المضروب له وإيراد الفعل على صيغة جمع المذكر للحمل على المعنى مع التغليب ولرعاية الفواصل، ولذلك حذف الجار والمجرور والجملة مبينة لما قبلها، فكأنه قيل إن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغتر به العقلاء، فإن لكل أمة وقتا معينا في نزول العذاب لا يتقدم ولا يتأخر. وقد تقدم تفسير الأجل في أول سورة الأنعام. ثم لما فرغ من تهديد الكفار شرع في بيان بعض عتوهم في الكفر، وتماديهم في الغى مع تضمنه لبيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب، فقال (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر) أي قال: كفار مكة مخاطبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتهكمين به حيث أثبتوا له إنزال الذكر عليه مع إنكارهم لذلك في الواقع أشد إنكار ونفيهم له أبلغ نفى، أو أرادوا: بيا أيها الذي نزل عليه الذكر في زعمه، وعلى وفق ما يدعيه (إنك لمجنون) أي إنك بسبب هذه الدعوى التي تدعيها من كونك رسولا لله مأمورا بتبليغ أحكامه لمجنون، فإنه لا يدعى مثل هذه الدعوى العظيمة عندهم من كان عاقلا، فقولهم هذا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو كقول فرعون - إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون - (لو ما تأتينا بالملائكة) لوما حرف تحضيض مركب من لو المفيدة للتمني ومن ما المزيدة، فأفاد المجموع الحث على الفعل الداخلة هي عليه، والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة ليشهدوا على صدقك (إن كنت من الصادقين). قال الفراء: الميم في لوما بدل من اللام في لولا. وقال الكسائي: لولا ولوما سواء في الخبر والاستفهام.
قال النحاس: لوما ولولا وهلا واحد، وقيل المعنى: لوما تأتينا بالملائكة فيعاقبونا على تكذيبنا لك (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) قرئ " ما ننزل " بالنون مبينا للفاعل، وهو الله سبحانه فهو على هذا من التنزيل، والمعنى على هذه القراءة: قال الله سبحانه مجيبا على الكفار لما طلبوا إتيان الملائكة إليهم ما ننزل نحن (الملائكة إلا بالحق) أي تنزيلا متلبسا بالحق الذي يحق عنده تنزيلنا لهم فيما تقتضيه الحكمة الإلهية والمشيئة الربانية وليس هذا الذي اقترحتموه مما يحق عنده تنزيل الملائكة وقرئ " ننزل " مخففا من الإنزال: أي ما ننزل نحن الملائكة إلا بالحق، وقرئ " ما تنزل " بالمثناة من فرق مضارعا مثقلا مبنيا للفاعل من التنزيل بحذف إحدى التاءين: أي تتنزل، وقرئ أيضا بالفوقية مضارعا مبنيا للمفعول، وقيل معنى إلا بالحق: إلا بالقرآن، وقيل بالرسالة، وقيل بالعذاب (وما كانوا إذا منظرين) في الكلام حذف، والتقدير: ولو أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة وما كانوا إذا منظرين: فالجملة المذكورة جزاء للجملة الشرطية المحذوفة، ثم أنكر على الكفار استهزاءهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون)، فقال سبحانه (إنا نحن نزلنا الذكر) أي نحن نزلنا ذلك الذكر الذي أنكروه ونسبوك بسببه إلى الجنون (وإنا له لحافظون) عن كل ما لا يليق به من تصحيف وتحريف وزيادة ونقص ونحو ذلك وفيه وعيد شديد للمكذبين به المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل الضمير في له لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأول أولى بالمقام. ثم ذكر سبحانه أن عادة أمثال هؤلاء الكفار مع أنبيائهم كذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال (ولقد أرسلنا من قبلك) أي رسلا وحذف لدلالة الإرسال عليه: أي رسلا كائنة من قبلك (في شيع الأولين) في أممهم وأتباعهم وسائر فرقهم وطوائفهم. قال الفراء:
الشيع الأمة التابعة بعضهم بعضا فيما يجتمعون عليه، وأصله من شاعه إذا تبعه، وإضافته إلى الأولين من إضافة الصفة إلى الموصوف عند بعض النحاة، أو من حذف الموصوف عند آخرين منهم (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا